ألا في سبيلِ الله ذاكَ الدمُ الغالي … وللمجدِ ما أبقى من المثل العالي
وبعضُ المنايا هِمّة ٌ من ورائِها … حياة ٌ لأَقوامٍ، ودُنيا لأَجيال
أعينيَّ، جودا بالدموع على دمٍ … كريمِ المُصَفَّى من شبابٍ وآمال
تناهَتْ به الأَحداثُ من غُربة ِ النَّوَى … إلى حادثٍ من غُربة ِ الدهرِ قتّال
جرى أُرجُوانيّاً، كُمَيْتاً، مُشَعْشَعاً … بأَبيضَ من غِسْل الملائِكِ سَلْسَال
ولاذ بقُضبانِ الحديدِ شَهيدُه … فعادتْ رفيفاً من عيونٍ وأطلال
سلامٌ عليه في الحياة ِ، وهامداً … وفي العُصُرِ الخالي، وفي العالَمِ التالي
خَليلَيَّ، قُوما في رُبَى الغربِ، واسقيا … رياحينَ هامٍ في التراب، وأوصال
من الناعماتِ الراوياتِ من الصِّبا … ذوت بينَ حِلٍّ في البلاد وتَرحال
نعاها لنا الناعي، فمال على أَبٍ … هَلوعٍ، وأُمٍّ بالكنانة ِ مِثكال
طَوَى الغربَ نحوَ الشرقِ يعْدُو سُلَيْكُهُ … بمضطربٍ في البرِّ والبحر، مرقال
يُسِرُّ إلى النفس الأَسَى غيرَ هامسٍ … ويلقي على القلبِ الشَّجى غيرَ قَّوال
سماءُ الحمى بالشاطئينِ وأرضه … منانحة ُ أقمارٍ، ومأتمُ أشبال
تُرَى الريحُ تدرِي: ما الذي قد أعادهَا … بساطاً، ولكن من حديدٍ وأَثقال؟
يُقِلُّ من الفِتْيَانِ أَشبالَ غابة ٍ … غُداة ً على الأَخطار رُكَّابَ أَهوال
ثَنَتْهُ العوادي دونَ أُودِينَ، فانثنَى … بآخَرَ من دُهْمِ المقاديرِ ذَيّال
قد اعتنقا تحتَ الدّخانِ كما التقى … كَمِيّان في داجٍ من النقْعِ مُنجال
فسبحانَ منْ يرمي الحديدَ وبأسه … على ناعم غضٍّ من الزهر منهال
ومنْ يأخذُ السارين بالفجرِ طالعاً … طلوع المنايا من ثنَّيات آجال
ومَن يَجعلُ الأَسفارَ للناس هِمّة ً … إلى سفرٍ ينوونه غير قفَّال
فيا ناقليهم، لو تركتم رفاتهم … أقام يتيماً في حِراسة ِ لآلِ
وبينَ غَريبالْدي وكافورَ مَضْجَعٌ … لنُزَّاعِ أَمصارٍ على الحقِّ نُزَّال
فهل عَطَفتْكم رَنّة ُ الأَهْلِ والحِمَى … وضَجَّة ُ أَترابٍ عليهم وأَمثال؟
لئن فاتَ مصراً أن يموتوا بأرضها … لقد ظَفِرُوا بالبَعْث من تُرْبِهَا الغالي
وما شغلتهم عن هواها قيامة ٌ … إذا اعتلَّ رهنُ المحسينِ بأشغال
حملتم من الغرب الشموسَ لمشرقٍ … تَلَقَّى سناها مُظلماً كاسِفَ البال
عواثرَ لم تبلغْ صباها، ولم تنلْ … مداها، ولم توصلْ ضحاها بآصال
يطافُ في الأعناقِ تترى زكية ً … كتابوتِ موسى في مَناكب إسْرال
ملفَّفة في حلَّة ٍ شفقية ٍ … هِلالية ٍ من راية النيلِ تمثال
أَظَلّ جلالُ العلم والموتِ وَفدَها … فلم تلقَ إلا في خشوعٍ وإجلال
تُفارِقُ داراً من غُرورٍ وباطِلٍ … إلى منزل من جيرة ِ الحقِّ محلال
فيا حلبة ً رفَّتْ على البحر حلية ً … وهزّتْ بها حُلوانُ أعطافَ مُختال
جرتْ بين إيماضِ العواصمِ بالضُّحى … وبينَ ابتسامِ الثَّغرِ بالموكِبِ الحالي
كثيرة َ باغي السبقِ لم يُرَ مِثلُها … على عهدِ إسماعيلَ ذي الطَّوْلِ والنال
لكِ الله، هذا الخطبُ في الوهم لم يقع … وتلك المنايا لم يكنَّ على بال
بَلَى ، كلُّ ذي نَفسٍ أَخو الموتِ وابنُه … وإن جَرّ أَذيالَ الحداثة ِ والخال
وليس عجيباً أن يموتَ أخو الصِّبا … ولكن عجيبٌ عيشهُ عيشة َ السالي
وكلُّ شبابٍ أو مشيبٍ رهينة ٌ … بمُعترِضٍ من حادثِ الدهرِ مُغتال
وما الشيبُ من خَيْلِ العُلا؛ فارْكَبِ الصِّبا … إلى المجدِ ترْكَبْ مَتْنَ أَقدرِ جَوّال
يَسُنُّ الشبابُ البأْس والجودَ للفتى … إذا الشيبُ سنَّ البخلَ بالنفس والمال
ويا نشأ النيلِ الكريمِ، عزاءَكم … ولا تذكروا الأَقدارَ إلا بإجمال
فهذا هو الحقُّ الذي لا يرُدُّه … تأفُّفُ قالٍ، أو تلطُّفُ محتال
عليكم لواءَ العلم، فالفوزُ تحتهُ … وليس إذا الأَعلام خانت بخذَّال
إذا مالَ صفٌّ فاخلفوه بآخَرٍ … وَصولِ مَساعٍ، لا ملولٍ، ولا آل
ولا يصلُحُ الفِتيانُ لا علمَ عندَهم … ولا يجمعون الأمرَ أنصاف جهَّال
وليس لهم زادٌ إذا ما تزودوا … بياناً جُزَاف الكيل كالحَشَفِ البالي
إذا جزعَ الفتيانُ في وقعِ حادثٍ … فمَنْ لجليلِ الأَمرِ أَو مُعْضِلِ الحال؟
ولولا معانٍ في الفدى لم تعانهِ … نفوسُ الحواريِّين أو مهجُ الآل
فَغَنُّوا بهاتيك المصارعِ بينَكم … ترنُّمَ أبطالٍ بأيام أبطال
أَلستم بَني القومِ الذين تكبَّروا … على الضربات السّبعِ في الأَبدِ الخالي؟
رُدِدْتُم إلى فِرْعَوْنَ جَدّاً، ورُبما … رجعتم لعمٍّ في القبائل أو خال