يُذكِّرني الحِمـى عهدَ الوصـالِ … وأيامَ الشبابِ ومَن بِهـا لـي ؟
وسلمى والسّلامـة َ من هواهـا … ونعمـى والنعـيمَ بـلا زوالِ
وهَصري غُصـنَ ذابلة ِ التثنِّي … وقطفي وردَ ناضرة ِ الجمالِ
ورَشفي حيـثُ يبتسمُ الأقاحي … وشمي حيثُ تنعجنُ الغوالي
وتَركي الزُّهـد في راحٍ شمولٍ … ورَفْضي النُسكَ في ريحٍ شمالِ
وحبي شربَ ياقوتٍ مذابٍ … يَرضُّ المـزجُ فيهِ حصى اللآلـي
وهزِّي العطفَ في غَفَـلاتِ عيشٍ … وريقِ الأيكِ ممطورِ الظلالِ
فها أنا من لبابِ العمر أشجى … إذا هجستْ خواطرُهـا ببـالـي
وأجتنبُ الشجونَ وأينَ صبري ؟ … وأحتلبُ الشؤونَ وكيفَ حالي؟
وتَذوي مُهجـتي واشْتف لَوني … وتدمى مقلتي وسلِ الليالي
فخذي الزعفرانُ ولا أحاشي … ودَمعـي الأرجوانُ ولا أُبـالي
أحاكي الوردَ ذا الوجهين يحذى … معاً في الصبغتينِ على مثـاليِ
وكيفَ يُرَدُّ لي مـا فـاتَ منِّـي … وردُّ الغَانيـاتِ منَ المُحـالِ ؟
ومـا للمُفلسين سوى التّمنِّـي … ومـا للنّائمينَ سِوى الخَيـالِ
ذَوى الشّعرُ البنفسجُ في عِـذاري … وزاحَمَـهُ ثَغـامُ الاكتهـال
وكدّ تفاوتُ الخطّـينِ قَلـبي … وخـاطَ عـلي أثوابَ الخَبـالِ
فخيطُ دب بدءُ الشيبِ فيهِ … دبيبَ النارِ في طرفِ الذبالِ
وآخرُ فاحمٌ كالفحمِ جانٍ … على جارٍ بحر النار صالِ
يُحاذرُ أنْ يصـابَ وغيرُ بـدعٍ … لجارِ النارِ عدوى الإشتعالِ
فذي ظلمُ الشبابِ على صَداهـا … ضيـاءُ الشيبِ حودِثَ بالصقالِ
تُرى تلـكَ العهود تعودُ يومـاً ؟ … وحال الوصلِ يلقحُ عن حِيالِ
وينسَى البـينُ عـادَتَهُ وتَنْجـو … منَ الأقتابِ أسمنة ُ الجمالِ
فتعمرُ باللوى تلكَ المغاني … وترجعُ بالحمى تلكَ الليالي
رخيمُ الدلِّ مكسالُ التهادي … طويلُ الذيلِ صرارُ النعالِ
يرقِّـقُ طَبعيَ المأيـوسَ عنـهُ … ويشحذُ غَرْبَـهُ بعـدَ الكـلالِ
فينشطُ لاختراعِ الشعرِ عقلي … وينشطني البيانُ منَ العقالِ
وأطنب في ثناءِ أبي عليِّ … نظامِ الملك نظامِ المعالي
فـتى ً كالليثِ مَشبوبُ المـآتي … فتى ً كالقرمِ محذورُ الصيِّالِ
وتسخر كفهُ والبحرُ فيها … بمن شامَ السحائبَ للنوالِ
ويعلى كعبهُ عرضٌ مصونٌ … معولهُ على مالٍ مذالِ
أعارَ عواطلَ اى دابِ عيناً … تُراعيهـا فهُـن بـهِ حَوالِ
وعطر شعرَ صدغيها بمسكِ … ونقطَ وردَ خديها بخالِ
وبوءَ وفدها كنفاً رحيباً … مرودَ العشبِ مورودَ الزلالِ
حراماً مثلَ بيتِ اللهِ يشدو … بسحرٍ في مناقِبـهِ حَـلالِ
يسفُّ بهِ تواضعه فتدنو … مَقاطِعُـهُ على بعـدِ المَنـالِ
ويُظْهِرُ نطقُـهُ إعجـازَ عيسى … بردٍّ الروحِ في الرممِ البوالي
وأهـداف الصـوابِ مُغَربـلاتٌ … بأقـلامِ لـهُ مثـل النِّبـالِ
يفوقها فلا تخطي وتمضي … مضاءَ القعضبية ِ في العوالي
بخطٍّ إثمدي اللونِ يشفي … عيونَ الرمدِ عندَ الاكتحالِ
فمن دالٍ تُصـاغُ عـلى اعتدالٍ … ومن ذالٍ تصانُ عن ابتذالِ
وليس تحسُّ منه العينُ عيباً … سوى المحذورِ من عـينِ الكَمالِ
تُساقُ إلى النّبيِّ بـهِ صَـلاة ٌ … وتُعرفُ فيهِ قُـدرة ُ ذي الجَـلالِ
ويثبتُ ركنهُ في كلِّ خطبٍ … تزلزلُ منهُ أركانُ الجبالِ
وما شربَ الطلا إلا استراحت … مسامعُهُ إلى نَغَـمِ السُّؤالِ
فكأسٌ في اليمينِ يميلُ منها … إلى طربٍ وكيسٌ في الشمـالِ
وإن برقت غزالة ُ وجنتيهِ … حسبتَ الشمسَ ناظرة َ الغزالِ
ويذهلُ عن نفائسه بنفسٍ … تَرى الذكرَ المخلّدَ خيَر مـالِ
رماها بالعراءِ كما تجافت … عن البيضاتِ حاضنـة ُ الرِّئـالِ
أمولانا خدمتك غيرَ وانٍ … وأُلْتُ إلى جَنابِـكَ غـيرَ آلِ
وجادَ رياضَ مَجدِكَ مِنَ ثنَائي … حياً يَنْهـلُّ مُنحلَّ العَـزالي
فكم أنشدتُ بينَ يديكَ شعري … فلم يَخجـل مَقامي من مَقـالي
ولي في صَنْعتي بُرهـانُ مـوسى … وعندَ سوايَ تزويرُ الخيالِ
وكم فحصت يد الأيامِ عني … كأيْدي الخيلِ أبصرتِ المَخالي
فلذاتُ ببابِ داركَ مستجبراً … مخلى السربِ متسعَ المجالِ
ونلتُ لدَيـكَ رفعاً في مَحلِّي … تناقضهُ يوضعٍ في رحالي
فعِشْ ما شِئتَ مَقْهـورَ الأعـادي … ودم ما شئتَ منصور الموالي
وخذ في مجلسِ الأنس المهنا … هلالاً في هلالٍ من هلالِ