وَسارِيَةٍ تَرتادُ أَرضاً تَجودُها … شَغَلتُ بِها عَيناً قَليلاً هُجودُها
أَتَتنا بِها ريحُ الصَبا وَكَأَنَّها … فَتاةٌ تُزَجّيها عَجوزٌ تَقودُها
تَميسُ بِها مَيساً فَلا هِيَ إِن وَنَت … نَهَتها وَلا إِن أَسرَعَت تَستَعيدُها
إِذا فارَقَتها ساعَةً وَلِهَت بِها … كَأُمِّ وَليدٍ غابَ عَنها وَليدُها
فَلَمّا أَضَرَّت بِالعُيونِ بُروقُها … وَكادَت تُصِمُّ السامِعينَ رُعودُها
وَكادَت تَميسُ الأَرضُ إِمّا تَلَهُّفاً … وَإِمّا حِذاراً أَن يَضيعَ مُريدُها
فَلَمّا رَأَت حُرَّ الثَرى مُتَعَقِّداً … بِما زَلَّ مِنها وَالرُبى تَستَزيدُها
وَأَنَّ أَقاليمَ العِراقِ فَقيرَةٌ … إِلَيها أَقامَت بِالعِراقِ تَجودُها
فَما بَرِحَت بَغدادُ حَتّى تَفَجَّرَت … بِأَودِيَةٍ ما تَستَفيقُ مُدودُها
وَحَتّى رَأَينا الطَيرَ في جَنَباتِها … تَكادُ أَكُفُّ الغانِياتِ تَصيدُها
وَحَتّى اِكتَسَت مِن كُلِّ نَورٍ كَأَنَّها … عَروسٌ زَهاها وَشيُها وَبُرودُها
دَعَتها إِلى حَلِّ النِطاقِ فَأَرعَشَت … إِلَيها وَجَرَّت سِمطُها وَفَريدُها
وَدِجلَةُ كَالدِرعِ المُضاعَفِ نَسجُها … لَها حَلَقٌ يَبدو وَيَخفى حَديدُها
فَلَمّا قَضَت حَقَّ العِراقِ وَأَهلِهِ … أَتاها مِنَ الريحِ الشَمالِ بَريدُها
فَمَرَّت تَفوتُ الطَرفَ سَبقاً كَأَنَّما … جُنودُ عُبَيدِ اللَهِ وَلَّت بُنودُها
وَخَلَّت أَميرَ المُؤمِنينَ مُجَدَّلاً … شَهيداً وَمِن خَيرِ المُلوكِ شَهيدُها
وَكانَ أَضاعَ الحَزمَ وَاِتَّبَعَ الهَوى … وَوَكَّلَ غِرّاً بِالجُيوشِ يَقودُها
كَأَنَّهُمُ لَم يَعلَموا أَنَّ بَيعَةً … أَحاطَت بِأَعناقِ الرِجالِ عُقودُها
فَلَمّا اِقتَضاها لَيلَةَ الرَوعِ حَقَّهُ … جَرَت سُنُحاً ساداتُها وَمَسودُها
وَباتَت خَبايا كَالبَغايا جُنودُهُ … وَفي زَورَقِ الصَيّادِ باتَ عَميدُها
بَلى وَقَفَ الفَتحُ بنُ خاقانَ وَقفَةً … فَأَعذَرَ مَولى هاشِمٍ وَتَليدُها
وَجادَ بِنَفسٍ حُرَّةٍ سَهَّلَت لَهُ … وُرودَ المَنايا حَيثُ يَخشى وَرودُها
وَفَرَّ عُبيدُ اللَهِ فيمَن أَطاعَهُ … إِلى سَقَرِ اللَهِ البَطيءِ خُمودُها
وَلَم تَحضُرِ الساداتُ مِن آلِ مُصعَبٍ … فَيُغنِيَ عَنهُ وَعدُها وَوَعيدُها
وَلَو حَضَرَتهُ عُصبَةٌ طاهِرِيَّةٌ … مُكَرَّمَةٌ آباؤُها وَجُدودُها
لَعَزَّ عَلى أَيدي المَنونِ اِختِرامُهُ … وَإِن كانَ مَحتوماً عَلَيهِ وُرودُها
أولئِكَ أَركانُ الخِلافَةِ إِنَّما … بِهِم ثَبَتَت أَطنابُها وَعَمودُها
مَواهِبُها لَذّاتُها وَسُيوفُها … مَعاقِلُها وَالمُسلِمونَ شُهودُها
فَيا لِجُنودٍ ضَيَّعَتها مُلوكُها … وَيا لِمُلوكٍ أَسلَمَتها جُنودُها
أَيُقتَلُ في دارِ الخِلافَةِ جَعفَرٌ … عَلى فُرقَةٍ صَبراً وَأَنتُم شُهودُها
فَلا طالِبٌ لِلثَّأرِ مِن بِعدِ مَوتِهِ … وَلا دافِعٌ عَن نَفسِهِ مَن يُريدُها
بَنو هاشِمٍ مِثلُ النُجومِ وَإِنَّما … مُلوكُ بَني العَبّاسِ مِنها سُعودُها
بَني هاشِمٍ صَبراً فَكُلُّ مُصيبَةٍ … سَيَبلى عَلى طولِ الزَمانِ جِديدُها
عَزيزٌ عَلَينا أَن نَرى سَرَواتِكُم … تُفَرّى بِأَيدي الناكِثينَ جُلودُها
وَلكِن بِأَيديكُم تُراقُ دِماؤُكُم … وَيَحكُمُ في أَرحامِكُم مَن يَكيدُها
أَلَهفاً وَما يُغني التَلَهُّفُ بَعدَما … أُذِلَّت لِضِبعانِ الفَلاةِ أُسودُها
عَبيدُ أَميرِ المُؤمِنينَ قَتَلنَهُ … وَأَعظَمُ آفاتِ المُلوكِ عَبيدُها
أَما وَالمنايا ما عَمَرنَ بِمِثلِهِ ال … قُبورَ وَما ضُمَّت عَلَيهِ لُحودُها
أَتَتنا القَوافي صارِخاتٍ لِفَقدِهِ … مُصَلَّمَةً أَرجازُها وَقَصيدُها
فَقُلتُ اِرجِعي مَوفورَةً لا تَمَهَّلي … مَعانِيَ أَعيا الطالِبينَ وُجودُها
وَلَو شِئتُ لَم يَصعُب عَلَيَّ مَرامُها … لِبُعدٍ وَلَم يَشرُد عَلَيَّ شَريدُها
وَلَو شِئتُ أَشعَلتُ القُلوبَ بِشُرَّدٍ … مِن الشِعرِ أَفلاذُ القُلوبِ وَقودُها
فَيا ناصِرَ الإِسلامِ غَرَّكَ عُصبَةٌ … زَنادِقَةٌ قَد كُنتُ قَبلُ أَذودُها
وَكُنتَ إِذا أَشهَدتَها بِيَ مَشهَداً … تَطَأمَنَ عاديها وَذَلَّ عَنيدُها
فَلَمّا نَأَت داري وَمالَ بِكَ الهَوى … إِلَيها وَلَم يَسكُن إِلَيكَ رَشيدُها
أَشاعَ وَزيرُ السوءِ عَنكَ عَجائِباً … يُشيدُ بِها في كُلِّ أَرضٍ مُشيدُها
وَباعَدَ أَهلَ النُصحِ عَنكَ وَأوغِرَت … صُدورُ المَوالي وَاِستَسَرَّت حُقودُها
فَطُلَّ دَمٌ ما طُلَّ في الأَرضِ مِثلُهُ … وَكانَت أُمورٌ لَيسَ مِثلي يُعيدُها