رُدِّي التَّحِيَّة َ يَا مَهَاة َ الأَجْرَعِ … وصِلِى بِحبلكِ حَبلَ مَنْ لَم يَقطَعِ
وتَرَفَّقى بِمُتيَّمٍ عَلِقَت بهِ … نارُ الصَبابة ِ ، فَهوَ ذا كِى الأضلُعِ
طَربِ الفؤادِ ، يَكادُ يَحمِلهُ الهَوى … شَوْقاً إِليْكِ مَعَ الْبُرُوقِ اللُّمَّعِ
لاَ يَسْتَنِيمُ إِلَى الْعَزاءِ، وَلاَ يَرَى … حَقّاً لِصَبْوَتِهِ إِذَا لَمْ يَجْزَعِ
ضَمَّتْ جَوَانِحُهُ إِلَيْكِ رِسَالَة ٍ … عُنْوَانُهَا فِي الْخَدِّ حُمْرُ الأَدْمُعِ
فَمَتَى يَبُوحُ بِمَا أَجَنَّ ضَمِيرُهُ … إِنْ كُنْتِ عنْهُ بِنَجْوَة ٍ لَمْ تَسْمَعِي؟
أَصْبَحْتُ بَعْدَكِ في دَيَاجِرِ غُرْبَة ٍ … ما للصَّباحِ بِليلِها مِنْ مَطلَعِ
لا يَهتَدى فِيها لِرَحلِى َ طارِقٌ … إِلاَّ بِأَنَّة ِ قَلْبِيَ الْمُتَوَجِّعِ
أَرْعَى الْكَوَاكِبَ فِي السَّمَاءِ، كَأَنَّ لِي … عِندَ النجومِ رَهينة ً لَم تُدفَعِ
زُهْرٌ تَأَلَّقُ بِالْفَضَاءِ، كَأَنَّهَا … حببٌ تَرَدَّدَ فى غَديرٍ مُترَعِ
وَكَأَنَّهَا حَوْلَ الْمَجَرِّ حَمَائِمٌ … بِيضٌ عَكَفْنَ عَلَى جَوَانِبِ مَشْرَعِ
وتَرى الثُريَّا فى السَماءِ كأنَّها … حَلَقاتُ قُرطٍ بالجُمانِ مُرصَّعِ
بَيضاءُ ناصِعة ٌ كبَيضِ نَعامة ٍ … فِي جَوْفِ أُدْحِيٍّ بِأَرْضٍ بَلْقَعِ
وَكَأَنَّهَا أُكَرٌ تَوَقَّدَ نُورُهَا … بِالكهرباءة ِ فى سَماوة ِ مَصنعِ
وَاللَّيْلُ مَرْهُوبُ الْحَمِيَّة ِ، قَائِمٌ … فى مَسحهِ ، كالراهبِ المُتلَفعِ
مُتَوَشِّحٌ بِالنَّيِّراتِ، كَبَاسِلٍ … مِنْ نَسلِ حام ٍ، باللُّجينِ مُدرَّعِ
حَسِبَ النُجومَ تَخلَّفتْ عن أمرهِ … فَوحى لَهُنَّ مِنَ الهِلالِ بِإصبعِ
ما زِلتُ أرقبُ فَجرَهُ حتَّى انجلَى … عَنْ مِثْلِ شَادِخَة ِ الْكُمَيْتِ الأَتْلَعِ
وَتَرَنَّمَتْ فَوْقَ الأَرَاكِ حَمَامَة ٌ … تَصِفُ الْهَوَى بِلِسَانِ صَبٍّ مُولَعِ
تَدعو الهَديلَ ، وما رأتهُ ، وتِلكَ مِنْ … شِيمِ الحمائمِ بِدعَة ٌ لم تُسمَعِ
رَيَّا الْمَسَالِكِ، حَيْثُ أَمَّتْ صَادَفَتْ … ما تَشتَهِى مِنْ مَجثَمٍ أو مَرتعِ
فإذا عَلت سَكنت مَظَلَّة َ أيكَة ٍ … وَإِذَا هَوَتْ وَرَدَتْ قَرَارَة َ مَنْبَعِ
أَمْلَتْ عَلَيَّ قَصِيدَة ً فَجَعَلْتُهَا … «لِشَكِيبَ» تُحْفَة َ صَادِقٍ لَمْ يَدَّعِ
هِى َ مِن أهازيجِ الحمامِ ، وإنَّما … ضَمَّنْتُهَا مَدْحَ الْهُمَامِ الأَرْوَعِ
هُوَ ذَلِكَ الشَّهْمُ الَّذِي بَلَغَتْ بِهِ … مَسْعَاتُهُ أَمَدَ السِّمَاكِ الأَرْفَعِ
نِبْرَاسُ دَاجِيَة ٍ، وَعُقْلَة ُ شَارِدٍ … وخطيبُ أندية ٍ ، وفارسُ مَجمَعِ
صَدقُ البيان ، أعضَّ جَرولَ باسمهِ … وَثَنَى «جَريراً» بِالْجَرِيرِ الأَطْوَعِ
لم يتَّخِذ بَدرَ المُقنَّعِ آية ً … بَلْ جاءَ خاطِرهُ بِآية ِ يُوشَعِ
أحيا رَميمَ الشِعرِ بَعدَ هُمودِهِ … وَأَعَادَ لِلأَيَّامِ عَصْرَ «الأَصْمَعِي»
كَلِمٌ لَها فى السَمعِ أطرَبُ نَغمَة ٍ … وَبِحُجْرَة ِ الأَسْرَارِ أَحْسَنُ مَوْقِعِ
كَالزَّهْرِ خَامَرَهُ النَّدَى ، فَتَأَرَّجَتْ … أَنْفَاسُهُ بِالْعَنْبَرِ الْمُتَضَوِّعِ
يَعْنُو لَهَا الْخَصْمُ الأَلَدُّ، ويغْتَذِي … بِلِبانِها ذِهْنُ الْخَطِيبِ الْمِصْقَعِ
هِى نُجعَة ُ الأدَبِ الَّتى مَن أمَّها … أَلْقَى مَرَاسِيَهُ بِوَادِ مُمْرِعِ
مَلكَتْ هَوى نَفسى ، وأحيَت خاطِرى … وَرَوَتْ صدَى قَلْبِي، وَلَذَّتْ مِسْمَعِي
فاسلَم شكيبُ ولا برِحتَ بِنِعمة ٍ … تَحنو عليكَ بِأيكِها المًتفرِّعِ
فلأنتَ أجدَرُ بِالثناءِ لِمِنَّة ٍ … أَوْلَيْتَهَا، والْبِرُّ أَفْضَلُ مَا رُعِي
أرهفتَ حَدِّى ، فَهوَ غيرُ مُفلَّلٍ … وَرَعَيْتَ عَهْدِي، فَهْوَ غَيْرُ مُضَيَّعِ
وبثقتَ لِى مِنْ فَيضِ بَحرِكَ جَدولاً … غَمَرَ الْبِحَارَ بِسَيْلِهِ الْمُتَدَفِّعِ
عَذُبَت مَوارِدهُ ، فَلو ألقَتْ بهِ … هِيمُ السَحابِ دِلاءها لَم تُقلعِ
وزَهَت فَرائده ُ، فَصارتْ غُرَّة ً … لِجَبِينِ كُلِّ مُتَوَّجٍ وَمُقَنَّعِ
هُوَ ذَلِكَ النَّظْمُ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ … أَهْلُ الْبَرَاعَة ِ بِالْمَقَالِ الْمُبْدَعِ
أَبْصَرْتُ مِنْهُ أَخَا «إِيادٍ» خَاطِباً … وسَمِعتُ عنترة َ الفوارسِ يَدَّعى
وحَلَمْتُ أَنِّي فِي خَمَائِلِ جَنَّة ٍ … وَمِنَ الْعَجَائِبِ حَالِمٌ لَمْ يَهْجَعِ
فَضلٌ رَفعتَ بهِ مَنارَ كرامة ٍ … صَرَفَ الْعُيُونَ عَنِ الْمَنَارِ «لِتُبَّعِ»
فَمتى أقومُ بِشُكرِ ما أوليتَنِى … والنَجمُ أقربُ غاية ً مِن مَنزِعِى
فَاعْذِرْ إِذَا قَصَرَ الثَّنَاءُ، فَإِنَّنِي … رُزتُ المَقالَ فَلَمْ أجِدْ مِن مَقنَعِ
لاَ زِلْتَ تَرْفُلُ فِي وِشَاءِ سَعَادَة ٍ … وحَبيرِ عافِية ٍ ، وعَيشٍ أمرَعِ