حاذِرِ الحُبَّ إِنَّ في الحُبِّ شَرّا … فَهوَ نارُ القَلبِ تصهُر صَهرا
إِن يَكُن في الرِجال قَلبٌ غدور … فَقُلوبُ النِساءِ أَقرَبُ غَدرا
وَفَتاةٍ أَعارَها البَدرُ نوراً … فَأَضاءَت بَينَ الكَواكِبِ بَدرا
تَغمِزُ الكُحل في غضاضَة جَفنَي … ها دَلالاً فَيرجِع الكحلُ سِحرا
رامَ مِنها فَتى مراماً شَريفاً … كلُّ ما شاءَه الفَتى كانَ طُهرا
وَالهَوى شارِد البَصائِر أَعمى … ليسَ يَدري بِما بهِ العَقل أَدرى
قَد أَحبَّ الفَتيُّ فيها جمالاً … وَأَحَبَّت فيه ثَراءً وَقَدرا
ما مَضى بَعضُ أَشهُرِ الحُبِّ حَتّى … ماتَ عَن ثَروَةٍ أَبوهُ فَأَثرى
أُمهُ وَهيَ في العَفافِ مثالٌ … ردَعته عَنها فَظلَّ مُصِرّا
نَصَحتَه فَما أَرادَ اِنتِصاحاً … وَغَدا يَبذر الدَنانيرَ بَذرا
قالَ يا أُمِّ أَيُّ شَيءٍ معيبٌ … في غَرامي وَأَيُّ شَيءٍ أَضَرّا
أَنا أَهوى فيها فُؤاداً أَبرّاً … وَهيَ تَهوى فيَّ الفُؤادَ الأَبرا
فَأَجابَتهُ لا أَلومُك يا اِبني … فَرَبيعُ الشَبابِ بِالحُبِّ أَحرى
غَير أَنَّ الفَتاةَ لا خَيرَ فيها … فَجَمالُ الأَخلاقِ مِنها تَعَرّى
مِل إِلى غَيرِها إِذا رمتَ تَهوى … وَاِختَبِر قَبل أَن تَهوّرَ خُبرا
فَالصبياتُ قَد تكنَّ عهارى … وَأَزاهيرُ قَد تَكنَّ وتبرا
قالَ تِلكَ الفَتاةُ غرس فُؤادي … فَدَعيها في الحُبِّ تُزهِرِ زَهرا
إِنَّها لي وَلَن تَكونَ لِغَيري … وَعليَّ العُقبى إِذا جِئتُ وِزرا
هذهِ قِطعَةُ من الماسِ يا هِن … دُ وَذي قِطعَةٌ من الماسِ أُخرى
زَيِّني صِدرَكِ الجَميلَ وَسُرّي … فَغَداً تَنظُرينَ في الجَيد عشرا
وَاِرتَمي في ذِراعَها مُستَهاماً … فَتَمَنّى هُناكَ لَو نامَ شَهرا
فَهوَ سَكرانُ من غَرامٍ شَريف … وَهيَ بِالجَوهَرِ المُشَعشِعِ سَكرى
هِندُ إِنَّ الرَبيعَ في الحَقلِ بَسّا … مٌ وَعَرف الزهورِ يُنشَر نَشرا
فَاِنشُقيهِ فَفيهِ عطر زَكيٌّ … وَاِسكَبيهِ عَلى إِهابيَ عطرا
كلّ ما في الحَياةِ يَرنو إِلَينا … بِحنوٍّ عَساهُ أَن يَستَمِرّا
فَفُؤادي قَفرٌ بِغَير هِيامي … وَحَياتي بِغَير حُبِّيَ قَفرا
هِندُ يا هِندُ أَنشِدي ليَ أَيضاً … وَاِنظُري مَوكِبَ الدُجى كَيف مرّا
وَأَفاقَ الفَجرَ الجَميلُ عَلى صَو … تِكِ يُلقي عَلى غَرامِيَ فَجرا
مرَّ عام وَالحُبّ يَزدادُ يَوماً … بَعدَ يَومٍ وَالمالُ يَزداد هَدرا
وَعَدا الفَقرُ في طَريق هَواهُ … وَأَتاهُ الهَوى فَصادَفَ فَقرا
عِندَ هذا تَبَدَّلَت حالُ هِندٍ … وَاِستَمَرَّت إِلَيهِ تَنظُرُ شزرا
لَو أَتاها وَبَينَ أَضلُعُه العَط … فُ للاقى في صَدرِها الصَلبِ صَخرا
جاءَها في مَساءِ يَومٍ وَلكِن … قَبلَ اَن يَدخلَ اِختَشى وَاِقشَعرا
ذاكَ أَنَّ الفَتى تَسرَّق أَمراً … من حَديثٍ قَد دارَ في البَيتِ سِرّا
قالَت الأُمُّ أَنتِ وِقرٌ ثَقيلٌ … وَبَقاءُ الحَبيبِ أَثقَلُ وَقرا
فَمن الجَهلِ بَعد أَن سيمَ خسفاً … أَن يَكونَ الفَتى لأمِّكِ صِهرا
فَالجنينُ الَّذي دفنّاهُ بِالأَمسِ … اِجعَليهِ في سِرٍّ صَدرِك قَبرا
فَاِحذَري أَن يُقالَ إِنَّك عار … وَاِحذَري أَن يُقالَ إِنك عُرّى
دخل الصبُّ غَيرَ أَنَّ شراراً … كانَ في مُقلَتَيه يسعُر سعرا
فَاِعتَرى الأُمَّ عند مرآه ذعرٌ … وَرَأى في الفَتاةِ خوفاً وَذُعرا
قالَ عذراً يا هِندُ إِنَّ فُؤادي … أَخطَأَ السَيرَ معكِ يا هندُ عذرا
أَنا لم أَهوَ فيكِ عهراً لِأَني … طاهِرُ الذيلِ لَستُ أُدركُ عهرا
وَاِنثنى هائِماً عَلى نَفسِهِ الثَك … لى فَلَم يُستَفق وَلم يُستقرّا
وَسَرى السَقم بَعدَ ذلِكَ فيهِ … وَمَشى في العِظامِ يَنخُر نَخرا
وَلَدي لَيسَ عِندَنا اليَومَ فِطرٌ … وَمنَ الأَمسِ لَم نَذُق قَطُّ فِطرا
فَالخَوابي فَرَغنَ من كُلِّ شَيءٍ … وَمنَ الخُبزِ لا نُصادِفُ نَزرا
أُترِكيني يا أُمِّ لا تُزعِجيني … بِحَديثٍ قَد شاخَ حَتّى اِسبطرّا
فَأَنا كافِرٌ وَسَوفَ يَراني … كلُّ مَن مَرَّ بي أُزَوِّدُ كُفرا
وَمَضى وَالظَلامُ يسدلُ ستراً … فَوقَهُ وَالعَذابُ يسدلُ سَترا
ضَعضَعته ذِكرى أَمرَّت عَلَيهِ … جَنحَها وَاِستَفاقَ يَنفُثُ جَمرا
فَرَأى نَفسَهُ أَمامَ فَتاةٍ … أَنشَبَت من غَرامِها فيهِ ظِفرا
فَاِنتَسى ما مَشى عَلَيهِ وَأَحيا … حُبَّهُ عامِلُ الجَمالِ فَخرّا
حَدَّقَت فيهِ فَترَةً فَتَراءى … في لماهُ أَمامِها طَيفُ ذِكرى
فَتَناسَت وَحَوَّلَت عَنهُ جِفناً … كانَ بِالأَمسِ يَنثُرُ الحُبَّ نَثرا
هِندُ إِنّي عَطشان جُرعَةُ ماءٍ … فَشفاهي الصَفراءُ يا هِندُ حرّى
فَمشى في جَبينِها شبحُ الغَدرِ … وَفي عَينِها اِستَوى وَاِكفَهَرّا
وَأَتَتهُ بِكَأسِ خَمرٍ وَقالَت … إِشرَبِ الكَأسَ إِنَّ في الكَأسِ خَمرا
ثُمَّ قالَت في نَفسِها إِنَّ سُمّي … سَوفَ يُبقي سِرّي بِصَدرِكَ دَهرا