لعل الذي ولى من الدهر راجع … فلا عيش إن لم تبق إلا المطامع
غرور يمنينا الحياة : وصفوها … سراب وجنات الأماني بلاقع
نسر بزهو من حياة كذوبة … كما افتر عن ثغر المحب مخادع
هو الدهر قارعه يصاحبك صفوه … فما صاحب الأيام إلا المقارع
إلى ما التواني في الحياة وقد قضى … على المتواني الموت هذا التنازع
ألم تر أن الدهر صنفان أهله … أخو بطنه مما يعد وجائع
إذا أنت لم تأكل أكلت ، وذلة … عليك بأن تنسى وغيرك شائع
تحدث أوضاع العراق بنهضة … ترددها أسواقه والشوارع
وصرخة أغيار لإنهاض شعبهم … وإنعاشه تستك منها المسامع
لنا فيك يانشء العراق رغائب … أيسعف فيها دهرنا أم يمانع
ستأتيك يا طفل العراق قصائدي … وتعرف فحواهن إذ أنت يافع
ستعرف ما معنى الشعور وكم جنت … لنا موجعات القلب هذي المقاطع
بني الوطن المستلفت العين حسنه … أباطحه فينانة والمتالع
يروي ثراه ” الرافدان ” وتزدهي … حقول على جنبيها ومزارع
تغذيه أنفاس النسيم عليلة … تذيع شذاهن الجبال الفوارع
أأسلمتوه وهو عقد مضنة … يناضل عن أمثاله ويدافع
وقد خبروني أن في الشرق وحدة … كنائسه تدعو فتبكي الجوامع
وقد خبروني أن للعرب نهضة … بشائر قد لاحت لها وطلائع
وقد خبروني أن مصر بعزمها … تناضل عن حق لها وتدافع
وقد خبروني أن في الهند جذوة … تهاب إذا لم يمنع الشر مانع
هبوا أن هذا الشرق كان وديعة … ” فلابد يوماً أن ترد الودائع “
ويوم نضت فيه الخمول غطارف … يصان الحمى فيهم وتحمى المطالع
تشوقهم للعز نهضة ثائر … حنين ظماء أسلمتها المشارع
هم افترشوا خد الذليل وأوطئت … لأقدامهم تلك الخدود الضوارع
لقد عظموا قدرا وبطشا وإنما … على قدر أهليها تكون الوقائع
وما ضرهم نبوا السيوف وعندهم … عزائم من قبل السيوف قواطع
إذا استكرهوا طعم الممات فأبطأوا … أتيح لهم ذكر الخلود فسارعوا
وفي الكوفة الحمراء جاشت مراجل … من الموت لم تهدأ وهاجت زعازع
أديرت كؤوس من دماء بريئة … عليها من الدمع المذال فواقع
هم أنكأوا قرحا فأعيت أساته … وهم اوسعوا خرقا فأعوز راقع
بكل مشب للوغى يهتدى به … كما لاح نجم في الدجنة ساطع
ومما دهاني والقلوب ذواهل … هناك وطير الموت جاث وواقع
وقد سدت الأفق العجاجة والتقت … جحافل يحدوها الردى وقطائع
وقد بح صوت الحق فيها فلم يكن … ليسمع ، إلا ما تقول المدافع
كمي مشى بين الكمات وحوله … نجوم بليل من عجاج طوالع
يعلمهم فوز الأماني ولم تكن … لتجهله لكن ليزداد طامع
وما كان حب الثورة اقتاد جمعهم … إلى الموت لولا أن تخيب الذرائع
هم استسلموا للموت ، والموت جارف … وهم عرضوا للسيف ، والسيف قاطع
بباخرة فيها الحديد معاقل … تقيها وأشباح المنايا مدارع
وإن أنس لا أنس ” الفرات ” وموقفا … به مثلت ظلم النفوس الفظائع
غداة تجلى الموت في غير زية … وليس كراء في التهيب سامع
تسير وألحاظ البروق شواخص … إليها وأمواج البحار توابع
تراها بيوم السلم في الحسن جنة … بها زخرفت للناظرين البدائع
على أنها والغدر ملء ضلوعها … على النار منها قد طوين الأضالع
مدرعة الأطراف تحمي حصونها … كمأة بطيات الحديد دوارع
ألا لا تشل كف رمتها بثاقب … حشتة المنايا فهو بالموت ناقع
من اللآء لا يعرفن للروح قيمة … سواء لديها شيب ورضائع
فواتك كم ميلن من قدر معجب … كما ميل الخد المصعر صافع
أتتها فلم تمنع رداها حصونها … وليس من الموت المحتم دافع
هنالك لو شاهدتها حين نكست … كما خر يهوي للعبادة راكع
هوت فهوى حسن وظلم تمازجا … بها وانطوى مرأى مروع ورائع
فان ذهبت طي الرياح جهودنا … فعرضك يا أبناء يعرب ناصع
ثبت وحسب المرء فخراً ثباته … ” كما ثبتت في الراحتين الأصابع “
ومحي لليل التم يحمي بطرفه … ثغوراً أضاعتها العيون الهواجع
تكاد ، إذا ما طالع الشهب هيبة … تخر لمرآه النجوم الطوالع
مدبر رأي كلف الدهر همه … فناء بما أعيا به وهو ظالع
مهيب إذا رام البلاد بلفظة … تدانت له أطرافهن الشواسع
” ينام باحدى مقلتيه ويتقي … بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع “
يحف به كل أبن عم إذا رنا … إلى الحي ردت مقلتيه المدامع
يرى أينما جال اللحاظ مهاجما … يصول وما في الحي عنه مدافع
تثور به للموت أبية … وتأبى سوى عاداتهن الطبائع
يطارحه وقع السيوف إذا مشى … كما طارح المشتاق في الأيك ساجع
وقد راعني حول الفرات منازل … تخلين عن ألافها ، ومرابع
دزائر من بعد الأنيس توحشت … وكل مقام بعد أهليه ضائع
جرى ثائراً ماء الفرات فما ونى … عن العزم يوماً موجه المتدافع
حرام عليكم ورده ما تزاحمت … على سفحه تلك الوحوش الكوارع
هم وجدوا حول الفرات أمانياً … لطافاً أضلتها نفوس نوازع
ولو قد أمدته السيوف بحدها … لغص بموار من الدم كارع
ومهر المنى سوق من الموت حرة … بها يرخص النفس العزيزة بائع
فلا توحدوه إنه يستمدكم … بأنفاسه تياره المتتالع
على أي عذر تحملون وقد نهت … قوانينكم عن فعلكم والشرائع
على رغم روح الطهر عيسى أذلتم … براء ذماء هونتها الفظائع
فيا وطني إن لم يحن رد فائت … عليك فان الدهر ماض وراجع
وأحلامنا منها صحيح وكاذب … وأيامنا منهن معط ومانع
كما فرق الشمل المجمع حادث … فقد يجمع الشمل المفرق جامع
وما طال عصر الظلم إلا لحكمة … تنبيء أن لابد تدنو المصارع