أرى الدهر مغلوباً وغالبا … فلا تَعتِبَنْ لا يسمعُ الدهرُ عاتبا
ولا تكذبنْ ، ما في البرية راحمٌ … ولا أنت فاترُكْ رحمةً عنك جانبا
تمكّنَ ذو طَوْلٍ فأصبح حاكماً … وجنّب مدحوراٌ فأصبح راهبا
وفاتت أناساً قدرةٌ فتمسكوا … ولم يُخْلقوا أُسداً فعاشوا ثعالبا
إلى روح ” مكيافيل ” نفحُ تحية … وصوبُ غمامٍ يترك القبرَ عاشبا
أبان لنا وجهَ الحقيقةِ بعد ما … أقام الورى ستراً وحاجبا
ولو رُمتُ للعَوْرات كشفاً أريتُكُمْ … من الناس حتى الأنبياءِ عجائبا
أريتكُمُ أنَّ المنافعَ صُوِّرتْ … محامدَ والحرمانَ منها معايبا
أريتكُمُ أنَّ ابنَ آدمَ ثعلبٌ … يماشيك منهوباً ويغزوك ناهبا
لحفظ ” الأنانياتِ ” سُنَّتْ مناهجٌ … على الخلق صَبَّتْ محنةً ومصائبا
يجرُّ سياسيُّ عليها خصومَه … ويدرك دينيُّ بهنّ المطالبا
فان تراني مستصرخاً من مُلِمَّة … على الناس إذ لم أخدعِ الناسَ صاخبا
فليس لأني ذو شعور وإنّما … أردتُ على الأيام عوناً وصاحبا
هي النفس نفسي يسقط الكلُّ عندها … إذا سَلِمتْ فليذهبِ الكونَُ عاطبا
بلى ربما أهوى سواها لأنه … يَجُرُّ إليها شهوةً ومآربا
ولو مُكِّنََتْ نفسي لأرسلتَ عاصفاً … على الناس يَذروهم وفجَّرتُ حاصبا
فلو كنت دينيّا تخذت محمداً … وعيسى وموسى حجة وركائبا
تناهبتُ أموالَ اليتامى أجوزُها … وأجمعُها باسم الديانة غاصبا
ومهدتُ لي عيشاً أنيقاً بظلها … ومتعتُ نفسي منه ثم الأقاربا
ولو كنتُ من أهل السياسة لم أَدَعْ … سناماً لمن أرتابُ فيهم وغاربا
تَخذتُ الورى بالظن أُحصي خطاهُمُ … ورُحْت لدقاتِ القلوبِ محاسبا
ولم أرَ في الاثم الفظيع اقترفتُه … سوى أنني أدّيتُ للحكم واجبا
فان لم أُطِقْ تهديمَ بيتٍ مصارحاً … أتيتُ فهدَّمتُ البيوتَ مواربا
لجأتُ إلى الدُّسْتُور في كل شدةٍ … أفسّر منه ما أراه مناسبا
وجردتُهُ سيفاً أمضَّ وقيعةً … من السيف هنديا وأمضى مضاربا
أكُمُّ به الأفواهَ حقا وباطلا … وأخْنُقُ أنفاسا به ومواهبا
أُهدّمُ فيه مجلساً ليَ لا أُريدهُ … وإن ضمَّ أحراراً غَيارىَ أطابيا
وأبني عليه مجلساً ليَ ثانيا … أضيّع ” ألكاكاً ” عليه رواتبا
أُحشّد فيه أصدقائي وأسرتي … كما ضمّ بيتٌ أُسرةً وصواحبا
فان لم تكن هذي لجأتُ لغيرها … أخفَ أذىً منها وألين جانبا
أُرشحُ من لم يعرفِ الشعبُ باسمه … أباعدَ عنه لفّقوا وأجانبا
أُسخّرهم طوراً لنفسي وتارةً … أصُبّ على الأوطان منهم مصائبا
وأغريت بالتلطيف أسْحَرُ شاعراً … وأغدقت بالأموال اخْدَعُ كاتبا
فهذا يسمى الجورَ حزماً وحكمةً … وذلك يعتدُّ المخازي مناقبا
ولو كنتُ فناناً ولو كنتُ عاملاً … ولو كنتُ أُمياً ولو كنت كاسبا
ولو كنت مهما كنت فرداً فانني … لأجهَدُ في تحطيم غيريَ دائبا
ولا أعرف التاريخَ يهتاج ساخطا … عليّ ولا الوجدانَ يرتدُّ غاضبا
فما كانت الأعذار إلا لخاملٍ … وما كنت إلا طامحَ النفسِ واثبا
دعوني دعوني لا تهيجوا لواعجي … ولا تبعثوا مني شجوناً لَواهِبا