نَبَّهتِ الورقاءُ ذاتُ الجناحْ … من غفلة الصحو إلى شرب راحْ
والليل قد أجفل من صبحه … فأكثر الديك عليه الصياح
مهفهف الأعطاف من قده … وطرفه الفتان شاكي السلاح
فقام يسقيها ويهدي إلى … روح الندامى بالمدام ارتياح
وما ألذَّ الراحَ من شادن … مهفهف القد وخود رداح
تستنطق العود لدى مجلس … ألسنة الأوراق فيه فصاح
والورق في الأوراق ألحانها … مطربة بين الغِنا والنواح
وربَّ يوم كان عيد المنى … نحرت فيه الذق نحر الأضاح
ورحت في الحب على سكرتي … بالغيّ لا أصغي إلى قول لاح
ومن يلمني بالهوى قوله … يمرّ بي مثل هبوب الرياح
فاصطلح القوم على أنَّه … ما بين عذّالي وبيني اصطلاح
يا صاح ما أنت وطيب الكرى … فبادر اللذات بالاصطباح
واشرب ولا تصغِ إلى قائل … هذا حرام ولهذا مباح
ما وجد الراحة إلاّ کمرؤ … أعرض عن عاذله واستراح
تنَّفسَ الصبح فقم قائماً … نحو صراحية ماء صراح
وابتسم الورد ودمع الحيا … في وجنة الورد وثغر الأقاح
فاقطع علاقات الأسى بالطلى … وَصِلْ بكاسات الغدوّ الرواح
وانفِق نفيس العمر في قهوة … تقضي على الهمّ قضاءً مناخ
مستنشقاً منها عبير الشذا … تفوح كالمسك إذا المسك فاح
مع كلّ ندمانٍ كبدر الدجى … ما افتض بكر الدن إلاّ سفاح
حَيَّ على الراح وقم هاتها … وقل لمن لاح الفلاح الفلاح
ولتكُ من ريقك ممزوجة … لا أشرب الراح بماء قراح
يا أيها الساقي الذي أثخنتْ … أحداقه في القلب مني الجراح
يشكو إليك القلب من ضعفه … فتور عينيك المراض الصحاح
ما خطر السلوان في خاطري … بلائمٍ فيه فسادي صلاح
يجدّ بالنصح فألهو به … وأدفع الجدّ ببعض المزاح
من سرّه شيء فما سرّني … في الدهر شيء كوجوه الملاح
أو فضح الصبُّ فكم مغرم … أسلمه الحب إلى الافتضاح
وما يرى كتمان سر الهوى … من كتم الحب زماناً وباح
إذا وضعت الشعر في أهله … فلي بزند الافتخار اقتراح
إنّي أرى المنصف في أهله … يمدح عبد الله أيّ امتداح
قد أثبت الوّدُّ بقلبي له … محبة لم يمحها قط ماح
فيا رعاه الله من ماجد … طاب به المغدى وطاب المراح
قيّدني في البرّ من فضله … فليس لي عن بابه من براح
أطرب إن شاهدته مطرباً … وما على المطرب فيه جناح
ولم أزل في القرب من ودِّه … أقرع بالأفراح باب النجاح
تالله ما شمتُ له بارقاً … إلاّ ولاح الجود من حيث لاح
يلوح لي في الحال من وجهه … بشر ميامين الندى والسماح
يفعل بالأموال يوم النَّدى … ما تفعل الأبطال يوم الكفاح
أغرّ صافي القلب مستبشر … بالأنس مرهوب الظبا والصفاح
قد خصّه الله وقد زانه … برفعة ِ القدر وخفض الجناح
لا يعرف الهمَّ سميراً له … ولا يلاقيه بغير انشراح
لم يُبقِ لي في أرَبٍ بغية ً … ولا على نيل الأماني اقتراح
من الذين افتخرت فيهم … بيض ظبا الهند وسمر الرماح
يُصانُ من لاذ بعلياهمُ … وما لهم من جودهم مستباح
لهم من العلياء إنْ سوهموا … سهم المعلّى من سهام القراح
محاسن المعروف يبدونها … وأوجُه الأيام سود قباح
كما استهلّت ديمة أمطرت … على الرّوابي قطرها والبطاح
تشقّ يوم الروع أيمانُهم … قلب الأعادي بصدور السلاح
ترعرعوا في حجر أمِّ العلى … وأرضعوا منها غريبَ اللقاح
وزاحموا الأنجم في منكب … يزيح في الأخطار ما لا يزاح
كم قدموا للحرب في موطن … فقرّبوا بين خطاها الفساح
وأعفوها من دماءٍ قناً … تُرمِدُ بالطعن عيون الجراح
أسدُ الوغى لا زال أسيافهم … تنحَرُ بالهيجاء كبش النطاح
من كل من تبعثه همة … تطمح للغايات كل الطماح
لم تنبُ في مضربها عزمة … منهم ولم تصلد لدى الاقتداح
آل زهير الأنجم الزهر في … سماءِ أفلاك العلى والسماح
إن أمسكوني فبإحسانهم … أو سرّحوني فجميل السراح
لا برحت تكسى بأمداحهم … ذات الغواني حسن ذات الوشاح