نبا بك دهر بالأفاضل نابي … وبدلت قفرا من خصيب جناب
برغم العلى أن يمسي الصفوة الألى … بنوا شرفات العز رهن يباب
تولوا فأقوت من أنيس قصورهم … وباتوا سراة الدهر رغم تراب
أتمضي أباشاد وفي ظن من يرى … زهورك أن النجم قبلك خابي
عزيز على القوم للذين وددتهم … وودوك أن تنأى لغير مآب
وأن يبكم الموت الأصم أشدهم … على من عتا في الأرض فصل خطاب
فتى جامع الأضداد شتى صفاته … وأغلبها الحسنى بغير غلاب
محام بسحر القول يصبي قضاته … فما فعله في سامعين طراب
فبيناه غريد إذا هو ضيغم … زماجره للحق جد غضابا
وكم خلب الألباب منه بموقف … بليغ حوار أو سديد
رقيق حديث إن يشبه حديثه … فما الخمر زانتها عقود حباب
يسيل فيروي النفس من غير نشوة … مسيل نطاف في الغداة عذاب
بما يخصب الأذهان مخضل دره … كما يخصب القيعان در سحاب
أديب إذا ما در در يراعه … تبينت أن الفيض فيض عباب
ففي الذهن تهدار الأتي وقد جرى … على أن ما في العين صحف كتاب
وفي الشعر كم قول له راق سبكه … أتى الوحي في تنزيله بعجاب
به نصر الوهم الحقيقة نصرة … تضيء نجوما من فضول ثقاب
فأما المساعي والمروءات والندى … فلم يدعه منهن غير مجاب
كأن جنى كفيه وقف مقسم … فكل مرج عائد بنصاب
وما صد عن إسعاده باسط يدا … ولا رد عن جدواه طارق باب
ولم يك أوفى منه في كل حالة … لمن يصطفي في محضر وغياب
إذا هو والى فهو أول من يرى … معينا أخاه حين دفع مصاب
وما كل من صادقتهم بأصادق … وما كل من صاحبتهم بصحاب
يعف فيعفو عن كثير مؤملا … له العفو من رب قريب متاب
وما عهده إن محصته حقيقة … بزيف وما ميثاقه بكذاب
وفي الناس من يحلي لك المر خدعة … وترجع من جناته بعذاب
تذكرت عهدا خاليا فبكيته … وهيهات طيب العيس بعد شباب
كأني باستحضاره ناظر إلى … حلاه ومستاف زكي ملاب
بروحي ذاك العهد كم خطر به … ركبنا وكان الجد مزج لعاب
وهل من أمور في الحياة عظيمة … بغير صبا تمت وغير تصابي
زمان قضينا المجد فيه حقوقه … ولم نله عن لهو ورشف رضاب
محضنا به مصر الهوى لا تشوبه … شوائب من سؤل لنا وطلاب
وما مصر إلا جنة الأرض سيجت … بكل بعيد الهم غض إهاب
فداها ولم يكرثه أن جار حكمها … فذل محاميها وعز محابي
فكم وقفة إذ ذاك والموت دونها … وقفنا وما نلوي اتقاء عقاب
وكم كرة في الصحف والسوط مرهق … كررنا وما نرتاض غير صعاب
وكم مجلس مما توخت لنا المنى … غنمنا به اللذات غنم نهاب
لنا مذهب في العيش والموت تارك … قشور القضايا آخذ بلباب
يرى فوق حسن النجم وهو محير … سنى الرجم ينقض انقضاض شهاب
وما هلك أفراد مصر عزيزة … أما أجل الإنسان منه بقاب
كذا كان إلفي للفقيد ولم يكن … ليضرب خلف بيننا بحجاب
حفظت له عهدي ولو بان مقتلي … لدهر به جد المروءة كابي
وما خفت في آن عتابا وإن قسا … به الناس لكني أخاف عتابي
أبى الله أن ألفى كغيري مولعا … بخلع أحبائي كخلع ثيابي
فما انا من في كل يوم له هوى … ولا كل يوم لي جديد صواب
يراني صديقي منه حين إيابه … بحيث رآني منه حين ذهاب
وما ضاق صدري بالذين وددتهم … ولا حرجت بالنازلين رحابي
وآنف سعيا في ركاب فكيف بي … ولي كل حول أخذة بركاب
حرام علينا بالشعر إن تقع … نسور معاليه وقوع ذباب
وما كبرياء القول حين نفوسنا … تجاويف أرضفي انتفاخ روابي
وما زعمنا رعي الذمام وشدنا … بظفر على من في الأمام وناب
زكي لك الإرث العظيم من العلى … وما ثروة في جنبه بحساب
فكن لأبيك الباذخ القدر مخلفا … بأكرم ذكرى عن مظنة عاب
وعش نابها بالعلم والفن نابغا … فخارك موفور وفضلك رابي
ألا إنني أبكي بكاءك فقده … وما بك من حزن عليه كما بي
قضى لي بهذا الخطب فيمن أحبه … إله إليه في الخطوب منابي
ففي رحمة المولى أبوك أبو الندى … وفي عفوه أحرى امرئ بثواب