مشت الجبال بهم وسال الوادي … ومضوا مهادا سرن فوق مهادا
يحدى بهم متطوعين كأنهم … عيس ولكن الفناء الحادي
لله يوم قد تقادم عهده … فيها وظل يروع كل فؤاد
يوم تجف لذكره أنهارها … خوفا ويجري قلب كل جماد
وإذا قرأنا وصفه فكأنه … بدم زكي خط لا بمداد
ونكاد نسمع للقتال دويه … ونرى الفوارس في لقا وطراد
لبروسيا في أرض يانا عسكر … مجر شديد البأس وافي الزاد
وخيامه في الأفق ماثلة على … ترتيب سلسلة من الأطواد
نفرت طلائع خيله منذ الضحى … تترقب الاعداء بالمرصاد
فاتوا كما يجري الأتي مشعبا … في غير مجرى مائه المعتاد
وكأن نابليون في إشرافه … علم على علم الزعامة باد
ألمجد رهن إشارة بيمينه … والنصر بين يديه كالمنقاد
والفخر في راياته متمثل … وطلائع العقبان في ترداد
فتهيأ الألمان لاستقباله … كالحائط المرصوص من أجساد
وعلا هتاف مازجته غماغم … من سل أسلحة وركض جياد
ورنين آلات تكاد تظنها … متجاوبات العزف بالإيعاد
حتى إذا كمل العتاد تقاذفوا … بالنار ذات البرق والإرعاد
شهب ضخام آتيات والردى … بمسيرهن ومثلهن غواد
تلقي الرجال على الثرى قتلى كما … يلقي السنابل منجل الحصاد
لله درهم وقد حمي الوغى … فتهاجموا كتهاجم الاساد
تدعو الجراحة أختها بصدورهم … والسيف يتلو السيف في الأجياد
وإذا التقى بطلان لم يتجندلا … إلا معا من شدة الأحقاد
وإذا جواد خر فارسه دعا … بصهيله ذا حاجة بجواد
والموت في الجيشين غير مجامل … يجتاح بالأزواج والأفراد
يطوي الصفوف ويترك الدم إثره … فكأنه فلك ببحر عباد
ما زال يفتك والنفوس زواهق … وكأت تلك هنيهة الميعاد
حتى تولى الذعر جيش بروسيا … فتفرقوا بين القفار بداد
فسعى الفرنسيون في آثارهم … بعزائم لا ينثلمن حداد
يستكبر الصعلوك منهم دائسا … في أضلع الأبطال والقواد
واستفتحوا برلين وهي منيعة … وقضوا بها الأيام كالأعياد
وأقام أصحاب البلاد مآتما … وكسوا على القتلى ثياب حداد
ناحت عرائسهم على أزواجها … والأمهات بكت على الأولاد
واشتد حزنهم ولم يك مجديا … من بعد فقد أحبة وبلاد
ألحزن يخمد والمذلة جمرة … لا تنطفي إلا بسيل جساد
عاد الربيع لهم كسالف عهده … يزهو على الأغوار والأنجاد
يا حسنه بلدا خصيبا طيبا … لكنه نهب الغريب العادي
تتبسم الأزهار فيه حيثما … عبس الحمام بهالك الأجناد
يا خجلة الأحرار من موتاهم … يثوون حيث المالكون أعادي
فاستعصموا بالصبر ثم تكاتفوا … وتحرروا من رق الاستعباد
وتأهبوا للثأر والأحقاد في … أكبادهم كالبيض في الأغماد
حتى إذا اشتدوا وضاق عدوهم … ذرعا بهم أصلوه حرب جهاد
وبنوا رجاءهم على استعدادهم … لا خير في أمل بلا استعداد
هدموا معالمه ورووا ردمها … بدماه فاختلطا دما برماد
واستفتحوا باريس فاستوفوا بها … أوتارهم وشفوا صدى الأكباد
كل بمسعاه يفوز ومن ينب … عنه الحوادث لم يفز بمراد