لتاج تاج مملكين عظام … صوغ الندى والحزم والاقدام
وتقلد السيف الذي إن يده … داعي الحقيقة لم يكن بكهام
ستراه أقوى عدة لكريهة … وتراه أقوى عدة لسلام
لحسام جدك حين أسس ملكه … عنت الرقاب ودان كل حسام
فتح الفتوح به وبث جيوشه … منصورة مرفوعة الأعلام
واليوم تلفيه ندى متماسكا … من بعد أن نصل الخضاب الدامي
أبقى لرايك أن تصرف أمره … والراي قد يغني عن الصمصام
هل في العلى متبوأ لك بعد أن … بوئت عن غرث أعز سنام
هيهات يجزيء تالد عن طارف … ومع الإصالة فيك نفس عصام
عرش أقيم فلم يتم بناؤه … حتى انقضت مئة من الأعوام
وليته في مبدإ استقلاله … وله من الشورى أشد دعام
ما اكرم الشورى على ملك يرى … ألا يسوق الشعب سوق سوام
جمعت حواليك القلوب وخير ما … جمع القلوب العدل في الاحكام
إما حلفت لها ووعدك صادق … فلمثلها التوكيد بالاقسام
يا بدر مصر وما برحت هلالها … عجب تمامك قبل آن تمام
تؤتى الملوك الحزم بعد تجارب … وكأنما تؤتاه بالالهام
تلك البواكير التي أبديتها … بهرت حلاها وهي في الاكمام
فلقد شهدنا منك كل فضيلة … شفت عن الغد من أرق لثام
أدب تشربه النفوس فتنتشي … حتى تخف وما انتشت بمدام
ملأت محاسنه العيون ونورت … كأزاهر الغصن النضير النامي
جود يصح الوصف في تشبيهه … بالنبل أو بالعارض السجام
شمل النواحي فهي راوية بما … تلقاه من صوب النوال الهامي
حلم وما شرخ الشباب ملحه … رد الأولى سفهوا إلى الحلام
رأب الصدوع الموهيات بوصله … ما نبت حول العرش من أرحام
إن كان عفو الطبع أو عن حكمة … فبه يسود أعاظم الحكام
دين به زنت الحياة وصنتها … من كل شين تتقيه وذام
كم فيه من بشرى توسما المنى … لفخار مصر وعزة الإسلام
علم وردت العذب من ينبوعه … ونهلت ما فيه شفاء أوام
شمل الثقافات الرفيعة وانتحى … أرق ماحيها من الإحكام
حسا ومعنى لم تدع ما تقتضي … منها العلى لمقوم القوام
ألمرجع الأسمى بحكمته لما … في الأمر من نقض ومن غبرام
تتجشم العمال مهما تختلف … رتبا لمعنى فوقها متسام
وتمارس الآفات لاستبطانها … وتحقق النظرات بالانعام
تفدي الفراسة في الغرانيق العلى … ربا على الإسراج والإلجام
ومروضا خيل الخار يحثها … بهدى البصير وجرأة المرامي
إن يختدم فله الفخار وكل ذي … قدر لسدته من الخدام
تلك الفضائل هيأته يافعا … ليكون أرشد عاهل وإمام
ويقر مملكة إليه أمرها … بين الممالك في أجل مقام
هيهات أن تنسى فواتحه التي … حسنت وراء مطامح الوهام
وبدت لهل الغرب في إلمامه … لله حكمة ذلك الإلمام
زار الفرنجة شبل مصر فأبصرت … ما سوف تبلوه من الضرغام
فملوكها وشعوبها يلقونه … بأعز ما ادخروا من الاكرام
قطفت بواكير الورود وقلمت … أشواكها لتحية وسلام
وجرت بأشفى من ربيعي الندى … فوق الطروس أسنة الأقلام
ناهيك بالزينات مما أبدعت … كف الصناع وفطنة الرسام
عجبان فوق مواقع الابصار من … حسن وتحت مواطيء الاقدام
كانت مشاهد لم ترد أشباهها … في فكر مستمع ولا مستام
قد سرت الضيف العظيم ودونها … في كنه ما يرمي إليه مرام
صور بعينيه بدت ووراءها … صور بدت للنيل والهرام
ماذا يروم ولا يزال لداته … يلهون من أمر بعيد مرام
تنهى الجلالة ربها وربيبها … عن كل موقف سوقة وطغام
فانظر إليه في المتاحف سائلا … عن حادث من ذخرها وقدام
أو في المتاجر وهو طالب حاجة … نفسنت فليست تشترى بسوام
أو في المصانع والمزازع باحثا … عن مبعث الإثراء للأقوام
هم يساوره لنهضة شعبه … في كل مرتحل وكل مقام
لا يستقل به على أعبائه … إلا حجى درب وقلب همام
ذاك الطواف بمنتراي ولم تكن … إلا مكان تروح وجمام
مهد السبيل فكان أيمن طالع … لنجاح آمال هناك جسام
أعلام مصر لقوا بها في حلبة … من وجهت دول من العلام
فتكشفت فيها خفيات المنى … وتساجلت فيها قوى الأفهام
وأتاح ربك للذين تكلموا … عن مصر نصرا فوق كل كلام
فكوا قيودا أبرمت أسبابها … وعلى التقادم لم تكن برمام
ونجوا بعزتها وباستقلالها … من حوزة الآساد في الآجام
تمت فتوح مذ وليت عزيزة … لم تتسق لموفق في عام
فتتابعت أعيادها وكأنها … يقظاتها خلس من الحلام
غمرت صباحتها لياليها فلم … تقع اللحاظ بها على إظلام
وتنافست بحليها أيامها … فكأنهن عرائس الأيام
أما جلوسك فهو أوفى بهجة … وأحق بالإكبار والأفخام
وافى وعيد التاج شبه فريدة … تتلو الفريدة في بديع نظام
عيدان أعلنت السرائر فيهما … ما أضمرته بأبلغ الإعلام
يا حسن عودك والبلاد يشفها … ظمأ لطلعة وجهك البسام
حملت إليك عيونها وقلوبها … جذلى بمقدمك السعيد السامي
شببنا معا ولعبنا معا … وطاب لنا اللهو إلا ذميما
وكان الجنى من دعاباتنا … فكاهة من ذاق ذوقا سليما
تحلم وهو نضير الصبا … فجلل ذاك المحيا الوسيما
يخال للحيته هيبة … ولحيته لا تنفر ريما
فكان لنا عجبا أن يرى … على مرح الطبع فيه حليما
كذاك مضى في كفاح الحياة … وخاض الغمار دؤوبا عزوما
يسام اضطرابا ويشقى اغترابا … ويأبى على الضيم أن يستنميا
يجد ويمزح مهما يجشم … ولم يك في العيش إلا غريما
ألحت فما عبسته الخطوب … ولم تنسه الابتسام القديما
أمحجوب خطبك راع البلاد … وقد كنت فيها الطبيب العليما