غمضت بغتة ً جفونُ الفناءِ … فوق إنسانِ مقلة العلياءِ
وله نقبّت بغاشية الحزن … محيّا الدنيا يدُ النكباء
حمّلت وقر عبئها كاهلَ الدهـ … ـر فأمسى يرغو من الإعياء
نكبة ٌ لم تدعْ جليداً على الوجـ … ـد ولا صابراً على اللأواء
ليت أمّ الخطوب تعقمُ ماذا … أنتجت بغتة من الأرزاء؟
ولدت حين عنَّست هرماً ما … لم تلدْ مثله بوقت الصباء
فأصابت يداه في حرم المجدِ … فؤادَ العليا بسهم القضاء
فقضت نحبها، وغيرُ عجيبٍ … قد اُصيبت بأرأس الأعضاء
يا صريعَ الحمام صلى عليك … الله من نازلِ بربع الفناء
وسقى منه تربة ً ضمنت جسمَـ … ـك غيث الغفران والنعماء
فحقيرٌ نوءُ الجفون وما قد … رُ جفون السحاب والأنواء
أين عيس المنون فيك استقلت … بالحصيف المضفّر الآراء
ذهبت في معرس السفرِ جوداً … وروى حوَّم الأماني الظماء
نعم ربُّ النديِّ حلماً إذا النكـ … ـباءُ طارت بحوبة الحلماء
نعم ربُّ الحجى إذا أكل الطيـ … شُ حجى الحازمين في اللأواء
نعم ربُّ الندى إذا كسع الشولُ … بأغبارِها عيالَ الشتاء
نعم ربُّ القِرى إذا هبَّت الريـ … ـح شمالاً في الشتوة الغبراء
نعم ربُّ الجفان ليلة َ يُمسى … بضياهنَّ مقمرُ الظلماء
يا عفاء الأنام شرقاً وغرباً … دونكم فاحتبوا بثوب العفاء
واقصروا أعينَ الرجاء قنوطاً … مَن إليه تمتدُّ في البأساء؟؟
وانحبوا عن حريق وجدٍ لمن كا … ن عليكم أحنى من الآباء
“يستقلُ الحبا لكم إن وفدتم … ولو المشرقان بعضُ الحباء»
لو بكته عيونكم وأفضن الأ … بحرُ السبع والحيا في البكاء
لم تفوّه معشارَ ما قد أفاضت … لكم راحُ كفه البيضاء
رحّلوا العيسَ قاصدين ضريحا … فيه ما فيه من على َ وسخاء
واعقروا عنده وجلَّ عن العقر … قلوباً مطلولة السوداء
جدثٌ ماء عيشكم غاض فيه … فانضحوا فوقه دمَ الأحشاء
حلَّ فيه من قد كفى آدماً في … غيث جدواه عيلة الأبناء
«ليت شعري أنّى دنا الموت منه … وهو في ربع عزّة ٍ قعساء»
«هل أتاه مسترفداً حين أعطى … ما حوته يداه للفقراء»
ودَّت المكرماتُ أن تفتديه … ببينها الماجد الكرماء
هم مكانُ الجفون منها ولكن … هو في عينها مكان الضياء
وهم في الحياة موتى ولكن … هو ميتٌ يعدّ في الأحياء
فحبا نفسَه الردى إذ أتاه … مستميحاً يمشي على استحياء
بعد ما عاشت العفاة زماناً … من نداه في أسبغ النعماء
علمت فقرَها إليه ولم تعلم … إليه الردى من الفقراء
ياعقيدي على الجوى كبر الخطـ … ـبُ فاهون بالدمعة البيضاء
أجرِ من ذوب قلبك الدمعة الحمـ … ـراء حزناً في الوجنة الصفراء
عودُ صبري من اللحا قد تعرّى … فانبذ الصبرَ لوعة ً في العراء
إن تلسني عن ظلمة الكون لمّا … حُلن أنوارَ أرضه والسماء
فهو أَثوابُ ليل حزن دجاه … طبّق الخافقين بالظلماء
قد خفقن النجوم منه بجنحٍ … سامَ أنوارَهن بالإطفاء
ولبدر الغبراء حال أخوه … بدرُ أهل الغباء والخضراء
وإلى الشمس قد نعوه فماتت … جزعاً من سماع صوت النعاء
وله غصَّ بالمصاب ولمّا … يتنفس حتى قضى ابن ذُكاء
وقف المجد ناشداً يومَ أودى … شاحبَ الوجه كاسف الأضواء
هل ترى صالحاً على الأرض لما … غاب فيها المهديُّ بدر العلاء
قلت خفّض عليك من عظم الأمـ … ـر ونهنه من لوعة البرحاء
ليس إلا محمدٌ صالحٌ يوجد … في الأرض من بني حواء
في التقى والصلاح والزهد والخشـ … ـية والنسك بل وحسن الرجاء
هي في العالمين أجزاء لكن … هو كلٌّ لهذه الأجزاء
وبيوم المعاد لو لقَى الخلـ … ـقَ بأعماله إلهُ السماء
كان حقاً أن يعدم النار إذ ليس … نصيبٌ للنار في الأتقياء
ليس ينفكّ للجميل قريباً … وبعيداً عن خطة الفحشاء
ومهاباً له على أعين الدهر … قضى الكبرياءَ بالإغضاء
وبليغاً قد انتظمن معانيـ … ـه بسلك الإعجاز للبلغاء
وفصيحاً بنطقه يخرس الدهـ … ـرَ فما قدرُ سار الفصحاء
فارسُ المشكلات إن ندبوه … لبيان المقالة العوصاء
فهو من غرِّ لفظه يطعن الثغـ … ـرة َ منه بالحجة البيضاء
واحدُ الفضل ماله فيه ثانِ … غير عبد الكريم غيث العطاء
بعقود الثناء فخراً تحلّى … وتحلَّت به عقودُ الثناء
الذكيُّ الذي إذا قمتَ أهلَ الـ … ـفضل فيه كانوا من الأغبياء
والمصلّى للمجد خلف أخيه … في سباق الأشباه والنظراء
ضربا في العُلى بعرقٍ كريمٍ … واحدٍ دون سائر الأكفاء
ينتمي كلُّ واحدٍ منهما عنـ … ـد انتساب الأبناء للآباء
للكرام الأكفِّ تحسب فيهنَّ … يذوب الغمامُ يوم السخاء
معشرُ المجد، شيعة الشرف البا … ذخ، بيضُ الوجوه خضر الفِناء
قد حباهم محمدٌ بجميل الـ … ـذكر إذ كان صالح الأنباء
يقظُ القلب في حياطة دين اللّـ … ـه حتى في حالة الإغفاء
ذو يمين بيضاء لم تتغيَّرْ … بأثام البيضاء والصفراء
يا عليماً يصيب شاكلة الغيـ … ـب بتسديد أسهم الآراء
وكظيماً للحزن يطوى حشاه … جلداً فوق زفرة ٍ خرساء
لك ذلّت عرامة الدهر حتى … لك أمسى يُعدُّ في الوصفاء
ملكت رقّه يمينك فالعا … لم من رقّه من العتقاء
ولئن قد أساء فالعبدُ للمو … لى مسيءٌ جهلاً بغير اهتداء
أنتَ أطلقت أسر أعوامه الغبـ … ـر من الجدب بالندى والسخاء
فجنى ما جنى ، وغير عجيبٍ … إنما السوء عادة الطلقاءِ
ولئن كان مسخطاً لك بالأمـ … ـسِ بهذي المصيبة الصّماء
فلك اليوم في محمدٍ الندب … الرضا عنه فهو أعلى الرضاء
ذو محيّاً كالبدر يقطر منه … مثل طلّ الأنداء ماءُ الحياء
وعلاءٍ هي السماءُ، مساعيـ … ـه نجومٌ لألاؤها بالضياء
ومزاياً لم أرض نظميَ فيها … ولو أنَّي نظمتُ شهبَ السماء
أو فمُ الدهر كنتُ فيه لساناً … ناطقاً ما بلغتُ بعض الثناء
دون أحصائها الكلامُ تناهى … فغدت مستحيلة الأحصاء
تيَّمت قلبه حسانُ المعالي … بهواهنَّ، لا حسانُ الظباء
وعلى الخلقَ خلقُه فاض بالبشـ … ـر فأزرى بالروضة الغنّاء
خُلقٌ شفَّ، فالهواء كثيفٌ … عنده إن قرنته بالهواء
أرضعته العلاءُ ثدياً وثدياً … رضِع المصطفى ابنُ أمِّ العلاء
فهما في الزمان يقتسمان الـ … ـفخرَ دون الورى بحظٍ سواء
ألفت نفسُه السماحَ فتيّاً … بُوركا من فتوة ٍ وفتاء
وحوى الفضلَ يافعَ السنّ لمّا … فات شوطَ المشايخ العظماء
يا رحابَ الصدور في كل خطبٍ … وثقالَ الحلوم عند البلاء
لن تضلوا السبيلَ والبدرُ هادٍ … لكم في دجنَّة الغمّاء
وأخوه محمدٌ حلمكم فيه … حسينَ رأسٍ لدى النكباء
ولكم أوجهٌ بكل مهمٍّ … ليس منها يحول حسنُ الثناء
ونفوسٌ إذا التقت بالرزايا … غير مضعوفة القوى باللقاء
وكملس الصفا قلوبٌ لدى الخطـ … ـب بها رنَّ مقطعُ الأرزاء
إن أسمكم حسنَ الأسى ولأضعا … ف أساكم تضمَّنت أحشائي
فلكم بعضكم ببعضٍ عزاءٌ … ولنا فيكم جميل العزاء