حَلِمتُ بِدُنيا لَيتَها لا تَبدَّدُ … لَذائِذُ أَحلامي وَلا كانَ لي غُدُ
أَظُنُّ بِإِنشادي عَلى الناسِ سِحرَها … وَهَل في الوَرى أُذُنٌ إِذا قمتُ أُنشدُ
وَأُوقظتُ مَذعوراً إِلى شَرِّ هاجِسٍ … كَأَنِّيَ روح في جُثامٍ مُشَرَّدُ
نُفيقُ من الحُلمِ الشَهِيِّ إِلى رُؤىً … كَوابيس في يَقظاتُها تَتَسَرَّدُ
قَرَأتُ عَلَيهِ أَحرُفاً خَطَّها اللَظى … يَروعُك مِنها اِثنان سجنٌ مُؤَبَّدُ
فَطَوَّفتُ في عُمرٍ مِن اللَيلِ وَالخنا … يعربد وَالأَرجاسِ ترغي وَتُزبدُ
وَلِلحَمَأ الغالي نَشيشٌ وَرَغوَةٌ … كَأَنَّ الوَرى مُستَنقَعٌ يَتَنَهَّدُ
وَأَغمَدتُ في صُلبِ الدَجِنَّةِ ناظِري … وَفي كُلِّ جَفنٍ لي من الهَدبِ مبردُ
فَأَبصَرتُ أَطباقاً تُعَمِّدها يَدٌ … أَصابِع من عَظمٍ وَتصبغُها يَدُ
وَشاهَدتُ في الأَطباقِ مُفسِدَةَ الوَرى … تَمورُ بِها الديدانُ سُكرى تعربدُ
مقاذِرُ تَمشي في الحَياةِ طُروبَةً … تُغَنّي وَأَصداءُ القبور تُرَدَّدُ
هُمُ الناسُ في الدُنيا تهاويلُ حُنِّطَت … بَكيتُ عَلَيهِم في جَحيمي وَعَيَّدوا
وَما هذِهِ الدُنيا يذرّي رَمادُها … لِريح الفَنا إِلا جَحيمٌ مرمَّدُ
تَلاشَت بِهِ النيرانُ غَير بَقِيَّةٍ … تَشبُّ لَها في شَهوَةِ الطينِ موقدُ
فَفي طبق مُستَنقَعٌ في صَقيعِهِ … نمت حشراتٌ فاجراتٌ تَوَقَّدُ
نِساءٌ أَقَلَّت في الصُدورِ مراضعاً … عَلى فَمها الوَردِيِّ لِلإِثمِ موردُ
عواهِرُ أَفنَت في الفُجورِ شَبابِها … فَما روحُها إِلّا عَجوز تَقوُّدُ
مَراضِعُها فَطساءُ فَهيَ ضَفادِعٌ … عَلى ما بِها مِن شَهوَة النارِ تَجلِدُ
وَداعاً عَذارى الحُبُّ في خِيَم الهَوى … جَمالُكِ مَحظور وَعدنكِ مَوصَدُ
فَقَدتُكِ حَتّى في أَغانيَ مَزهري … وَكانَ لِشِعري مِنكِ ما يَتَجَوَّدُ
أَلا أَغلِقي الفِردوس في وَجه شاعِر … يضمُّ طَنابير الجَحيم وَيُنشِدُ
لَئِن تَكُ نارُ البَغضِ تَلظى بِعَينِه … فَفي قَلبِهِ النُوّار لِلحُبِّ مزودُ
يحسُّ فَراديس الحَياةِ بِروحِهِ … وَليسَ يَرى إِلا جَحيماً يُهَدِّدُ
كَما يَثبتُ الصَفصافُ في عاصِفِ الدُجى … وَلِلأُفقِ وَجه هابِط الغيمِ أَربَدُ
وَلِلرّيحِ في الغاباتِ زعق كَأَنَّهُ … صَدى الجِنّ في وادي الجَحيم يزغردُ
كَذلكَ يَبقى في دُجى النَفس ثابِتاً … جَمالٌ لَهُ في قُبَّةِ النَفسِ فَرقَدُ
وَفي طَبَق وادٍ تكدَّر ماؤُهُ … فَلا عشبَة تَنمو وَلا غُصنَ يُنقَدُ
وَلا تَسمَعُ الأَرواح في شَعَفاتِه … خَلِيّاً يُغني أَو هزاراً يُغَرِّدُ
فَثِمَّة جرذانٌ تَرى النورَ آفَة … فَتُؤثِرُ أوجارَ الظَلامِ وَتلبدُ
مُلوكٌ يُقاضونَ النُفوسَ إِلى السَما … وَيَنهي بِأَيديهِم ضَميرٌ مدوّدُ
عَلى فَمِهم سَفر السَماواتِ مُشرَعٌ … وَفي روحِهِم سَيفُ الجَحيمِ مُجَرَّدُ
إِذا ما لحاهُم مُؤمِنٌ فَهو فاجِر … وَإِن نَدَّ من أَغلالِهِم فَهو ملحدُ
وَثَمَّ خَفافيشٌ مَواليدُ بُؤرَة … إِذا غارَ فيها سَيِّدٌ بان سَيِّدُ
سَلاطينُ حُفَّت بِالسِياطِ عُروشُهُم … فَسَيِّدُهُم هولَ الصَعاليكُ مجلدُ
تَرى مِنهُمُ العاتي يَقيء نخاعَه … صَباغاً عَلى شَسع الغُزاةِ وَيسجدُ
وَثَمَّ جَراداتٌ عطاشٌ غَوارِث … ينكِّرها وَهجُ الجناحِ فَتَمردُ
محبَّرة الأَردان مَفجوعَة الحَشا … تَوابيتَ يُطليها لُجين وَعسجدُ
لَها في مَقاصير السَماء مَطامِحٌ … وَلَيسَ لَها في مَسلَكَ الجَوِّ مُقودُ
تفرَّش فيه وُقَّحُ الوَجهِ وَالسَما … لِأنسرها لا لِلصَّراصيرِ مصعدُ
قَياصِرَةٌ عور المَلاحِم زُيِّفَت … يَواقيت في تيجانِهِم وَزُمرُّد
مَجانينُ تستافُ البلى من خَيالَهم … يُناط بِهِم مِن نَسلِ عَبقَرَ سُؤددُ
مَواليدُ فِردَوسٍ أَراغوا نُفوسَهُم … فَلَم يَبقَ لِلوِجدانِ فَيهِنَّ مولدُ
عَذيرُكَ مِن نورِ الفَراديسِ عَبقَرُ … وَمغناكَ في مِتنِ السماكِ مُشَيَّدُ
وَتُشعل في عَينَيكَ نارٌ نَقِيَّة … بِمَقدَسِها طيف السَماءِ مجسَّدُ
وَصدغُكَ مَدهونٌ بزيت مطهَّر … وَبِالبَلسَمِ الشافي هَواكَ مضمَّدُ
رَأَيتُكَ تَمشي في المَساخِر شاعِراً … وَتاجُك مَحطوم عَلَيك مكَمَّدُ
وَروحُكَ مَمسوخ وَنورُكَ ذاهِلٌ … وَشِعرُكَ بِالغَلِّ الدَنيءِ مصفَّدُ
وَشاهَدتُ أَشباحَ السَماءِ كَئيبَةً … عَلَيكَ بِأَسواطِ الأَراجيفِ تُطرَدُ
فَفيمَ أَزغتَ النَفسَ عَن نَهج قدسها … فَصارَت مغاراً سافِلاً وَهيَ معبدُ