سيّرت في فجر الحياة سفيتني … و اخترت ” قلبي ” أن يكون إمامي
فجّرت على الأمواج قصرا من رؤى … ملء الفضا ، ملء المدى المترامي
و أقلّ منها البحر حين أقلّها … دنيا من الأضواء و الأنغام
و مشى الخيال على الحياة بسحره … فإذا الهوى في الماء و الأنسام
و إذا الرّمال أزاهر فوّاحة … و الشّطّ هيكل شاعر رسّام
و إذا العباب ملاعب و مراقص … و إذا أنا من صبوة لغرام
أتلقّف اللّذّات غير محاذر … و أعبّ في الزلاّت و الآثام
لا أكتفي و أخاف أكتفي … فكأنّما في الاكتفاء حمامي
و كأنّ هدبي أن تطول ضلالتي … و كأنّ ربّي أن يدوم أوامي
مرّت بي الأعوام تتلو بعضها … و أنا كأنّي لست في الأعوام
كالموج ضحكي ، كالضّياء ترنّحي ، … كالفجر زهوي ، كالخضمّ عرامي
حتى إذا هتف المشيب بلمّتي … ودنت يد الماحي إلى أحلامي
صرخ ” الحجى ” بي ساخطا متهكّما : … ” هذا الغنيّ شرّى من الإعدام “
” أسلمتني للقلب و هو مضلّل … فأضرّني و أضرّك استسلامي “
” يا صاحبي أطلقني من سجن الرؤى … أنا تائه أنا جائع أنا ظامي “
و أراد ” عقلي ” أن يقود سفيتني … للشطّ في بحر الحياة الطامي
فطويت أعلام الهوى و هجرتها … و نسيت حتّى أنّها أعلامي
و حسبت آلامي انتهت لمّا انتهى … فإذا النهاية أعظم الآلام
و إذا الطريق مخاوف ووساوس … و إذا أنا من هبوة لقتام
أبغي الثراء و لم يكن من مطلبي ، … و أرى الجمال بناظر متعام
و أشيّد مثل الناس مجدا زائفا … و أشدّ حول الروح ثوب رغام
فإذا أنا ، و الأرض ملكي و السما ، … قد صرت عبد الناس ، عبد حطامي
فتضايق القلب السجين و قال لي : … ” يا أيّها الجاني قتلت هيامي “
” ألقفر بالأحلام روض ضاحك … فإذا تلاشت فالرياض مومي “
” أين العيون تذيبني حركاتها … و تموت في سكناتها آلامي “
” و أطلّ من أهدابهاا السكرى على … ظلّ ، و أنداء ، وزهر نام “
” لمّا عصاني أن أشبّ ضرامها … أعيا عليها أن تشبّ ضرامي “
” ألخمر ملء الجام لكن قد مضى … شوقى إلى الخمر التي في الجام “
” أسلمتني ” للعقل ” و هو مضلّل … فأضرّني و أضرّك استسلامي “
” أنظر ، ألست تراك في أوهامه … أشقى و أتعس منك في أوهامي ؟ “
” ألمال من ذا يشتريه كلّه … منّي بليل صبابة و غرام ؟ “
” يا صاحبي أطلقني من سجن النهى … أنا تائه أنا جائه أنا ظامي “
لا تسألوني اليوم عن قيثارتي … قيثارتي خشب بلا أنغام
يا شاعرا غنّي فردّ لي الصّبا … فإذا مواكبه تسير أمامي
إنّا التقينا في الشباب و في الهوى … في حومتين
و سنلتقي و إن افترقنا في غد … في حبّ لبنان و حبّ الشام
و ستلتقي روحي وروحك بعدما … تفنى الهياكل في الإله السامي
أهلا بذي الأدب الصراح المصطفى ، … بالفاتح الرّوحيّ ، بالمقدام
بالشاعر الغرّيد في ألحانه … عبق الربيع و نضرة الأكمام
هو إن ذكرت الشعر من أمرئه … و إذا ذكرت المجد فهو عصامي