الوِردُ يَبسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ … وَالسَّيْفُ يَلْمَعُ والصَّدى يَتَضَرَّمُ
بَخِلَ الغَيُورُ بِمَاءِ لِينَة َ فَاحْتَمى … بِشَبا أَسِنَّتِهِ الغَديرُ المُفْعَمُ
والرَّوضُ أَلبَسَهُ الرَّبيعُ وشائعاً … عُنيَ السَّماكُ بِوَشيهِا والمِرزمُ
تُثْني رُباهُ عَلى الغَمَامِ إذا غَدا … عافي النَّسيمِ بِسرِّها يَتَكَلَّمُ
حَيثُ الغُصونُ هَفا بِها وَلعُ الصَّبا … وَخَلا الحَمامُ بِشَجْوِهِ يَتَرَنَّمُ
وَأُميلُ مِنْ طَرَبٍ إليهِ مَسامِعاً … يَشكو لَجاجَتَها إِليَّ اللُّوَّمُ
فَبكى وَلَم أَرَ عَبْرَة ً مَسْفوحَة ً … أكذاكَ يَبخلُ بالدُّموعِ المُغْرَمُ؟
وَلَقد بَكْيتُ فَلَو رَأَيتَ مَدامِعي … لَعَلِمتَ أَيُّ الباكيِينِ مُتَّيمُ
شَتّانَ ما وَجدي وَوَجدُ حَمامة ٍ … تُبدي الصَّبابَة َ في الحَنينِ وَأَكتُمُ
وَأَزورُ إذ ظَعَنَ الخَليطُ مَنازِلاً … نَحِلَتْ بِهِنَّ كَما نَحِلْتُ الأَرْسُمُ
كَمْ وَقْفَة ٍ مَيْلاءَ في أثْنائِها … شَوقٌ إلى طَلَلٍ برامَة َ يُرزِمُ
عَطَفَتْ رَكائِبُنا إلى عَرَصاتِهِ … وَعَلى الجُنَينَة ِ نَهجُهُنَّ المُعلَمُ
وّذَكَرْتَ عَصراً أَسْرَعَتْ خُطُواتُهُ … والْعَيْشُ أَخْضَرُ والحَوادِثُ نُوَّمُ
فَوَدِدْتُ أَنَّ شَبيبتي وَدَّعتُها … وَأَقامَ ذاكَ العَصْرُ لا يَتَصَرَّمُ
لَفَظَتْ أَحِبَّتَنا البِلادُ: فَمُعْرِقٌ … تُدمي جَوانِحهُ الهُمومُ، وَمُشْئمُ
أَزُهَيرُ إنَّ أخاكَ في طَلَبِ العُلا … أَدْنَى صَحابَتِهِ الحُسامُ المخْذَمُ
خاضَتْ بهِ ثُغرَ الفَيافي والدُّجى … خُوضٌ نَماهُنَّ الجَديلُ وشَدقَمُ
يَجتابُ أَرديَة َ الظَّلامِ بِمَهْمَة ٍ … يَنسى الصَّهيلَ بِهِ الحِصانُ الأَدْهَمُ
وَيَضيقُ ذَرْعُ المُهْرِ أن لا يَنْجَلي … لَيلٌ بِأَذيالِ الصَّباحِ يُلثَّمُ
وَلَهُ إلى الغَرْبِ التِفَاتَة ُ وامِقٍ … يُمري تَذَكُّرُهُ الدُّموعَ فَتَسجُمُ
وَكَأَنَّهُ، ممّا يُميلُ بِطَرفِهِ … قِبَلَ المَغارِبِ، بِالثُّريّا مُلْجَمِ
عَتَقَتْ عَلَيَّ أَلِيَّة ٌ سَيُبِرُّها … هَمٌّ بِمُعْتَرَكِ النَّجومِ مَخَيَّمُ
واللَّيلُ يوطِىء ُ مَن تُؤَرِّقُهُ المُنى … خَدَّا بأيدي الأَرْحَبيَّة ِ يُلطَمُ
لَتُشارِفَنَّ بِيَ المَوامي أَيْنُقٌ … هُنَّ الحَنيُّ، وَرَكبُهُنَّ الأَسهمُ
وَأُفارِقَنَّ عِصابَة ً مِنْ عامِرٍ … يَضْوَى بِصُحْبَتِها الكَريمُ وَيَسقَمُ
فَسَدَ الزَّمانُ فَلَيسَ يَأْمَنُ ظُلْمَهُ … أَهْلُ النُّهى ، وَبَنوهُ مِنْهُ أَظلَمُ
أَينَ التَفَتَّ رأتَ مِنْهُمْ أَوْجُهاً … يشقى بِهِنَّ النّاظِرُ المُتَوَسِّمُ
وَأَضَرُّهُم لَكَ حِينَ يُعضِلُ حادِثٌ … بِالمرءِ مَنْ هُوَ في الصَّداقَة ِ أَقْدَمُ
وَمَتى أَسَأْتَ إلَيْهِمُ وَخَبِرْتَهُمْ … أُلفِيتَ بعدْ إساءة ٍ لا تَنْدَمُ
نَبَذوا الوَفاءَ مَعَ الحَياءِ وراءَهُمْ … فَهُمُ بِحَيْثُ يَكونُ هذا الدِّرْهَمُ
وَعَذَرْتُ كُلَّ مُكاشِحٍ أُبلَى بِهِ … فَبَلِيَّتي مِمَّنْ أَصاحِبُ أَعْظَمُ
مَذِقُ الوِدادِ، فَوَجْهُهُ مُتَهَلِّلٌ … لِمكيدَة ٍ، وضَميرُهُ مُتَجَهِّمُ
يُبْدِي الهَوى وَيَسُورُ، إِنْ عَرَضَتْ لَهُ … فُرَصٌ عَلَيَّ، كَما يَسورُ الأَرْقَمُ
وَيَرومُ نَيلَ المَكرُماتِ، ودُونَها … أَمَدٌ بِهِ انتعلَ النَّجيعَ المَنسِم
فَزَجَرْتُ مَن جَلَبَ الجِيادَ إلى مَدى ً … يَعْنو لِحاسِرِ أَهْلِهِ المُسْتَلْئِمُ
وَرَحِمْتُ كُلَّ فَضيلَة ٍ مَغصوبَة ِ … حَتّى القَريضَ إذا ادَّعاهُ المُفْحَم
وَلَو اسْتطَعْتُ رَدَدْتُ مَنْ يعْيى َ به … عَنهُ، مَخَافَة َ أَنْ يُلجِلِجهُ فَمُ
لاتُخْلِدَنَّ إلى الصَّديقِ، فَإنَّهُ … بِكَ مِنْ عَدُوِّكَ في المَضَرَّة ُ أَعْلَمُ
يَلقاكَ، والعَسَلُ المُصفَى َّ يُجتَنَى … مِنَ قَوْلِهِ، وَمِنَ الفَعالِ العَلْقَمُ
هذا وَرُبَّ مُشاحِنٍ عَلِقَتْ بِهِ … شَمْطاءُ تُلْقِحُها الضَّغائِنُ مُتْئِمُ
فَحَلُمْتُ عَنهُ، وباتَ يَشربُ غَيْظَهُ … جُرعاً، وَلُزَّ بِمِنْخَريهِ المَرغَمُ
وَأَنا المَليءُ بِما يَكُفُّ جِماحَهُ … وَيَرُد غَربَ الجَهلِ وَهوَ مُثلَّمُ
فَلَقَد صَحِبْتُ أُزَيهِرَ بنَ مُحَلِّمٍ … حَيثُ السُّيوفُ يَبُلُّ غُلَّتَها الدَّمُ
وَالخَيْلُ شُعْثٌ، والرِّماحُ شَوارِعٌ … وَالنَّقْعُ أَكْدَرُ، والخَميسُ عَرَمرمُ
فَرأيتهُ يَسَعُ العُداة بِعَفوهِ … وَتُجيرُ قُدْرَتُهُ عَلَيهِ فَيَحْلُمُ
وَيَوَدُّ كلُّ بَريءِ قَوْمٍ أَنَّهُ … مِمّا يَمُنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ مُجْرِمُ
وَأَفَدْتُ مِنْ أَخْلاقِهِ وَنَوالِهِ … مِنَحاً يَضِنُّ بِها السَّحابُ المُرْهِمُ
وإذا أَغامَ الخطبُ جابَ ضَبابَهُ … شَمسُ الضُّحى ، وَسَطا عَليهِ الضَّيغَمُ
وَمَتى بَدا، وَاللَّيلُ أَلْمَى ، رَدَّهُ … بِالبِشْرِ، فَهْوَ إذا تَبَلَّجَ أَرْثَمُ
مَلِكٌ يُكِلُّ غَداة َ يُطلَبُ شَأوُهُ … مُقلاً يُصافُحها العَجاجُ الأَقتَمُ
بِشَمائِلٍ مُزِجَ الشِّماسُ بِلينها … كالماءِ أُشْرِبَهُ السِّنانُ اللَّهْذَمُ
وَمناقِبٍ لا تُرْتَقَى هَضَباتُها … نَطَقَ الفَصيحُ بِفَضلِها وَالأَعجَمُ
إنْ لُحنَ والشُّهبُ الثَّواقِبُ في الدُّجى … لَمْ يَدْرِ سارٍ أَيُّهُنَّ الأَنْجُمُ
يَابْنَ الأُلى سَحَبوا الرِماحَ إلى الوَغى … وَلَديهِ يَغْدِرُ بالبَنانِ المِعصَمُ
يَتَسرَّعونَ إلى الوَغى ، فَجيادُهُم … تُزْجَى عَوابِسَ، والسُّيوفُ تَبَسَّمُ
وَإذا الزَّمانُ دَجا أضاؤوا فَاكْتَسى … فَضَلاتِ نُورِهمُ الزَّمانُ المُظْلِمُ
أَوضَحتَ طُرقَ المَجدِ وَهيَ خَفيَّة ٌ … فَبَدا لِطالِبهِ الطَّريقُ المُبْهَمُ
وَغمَرتَ بِالكَرَمِ المُلوكَ فكُلُّهمْ … لمّا شَرَعتَ لَهُ النَّدى يَتَكَرَّمُ
وَبَسَطْتَ كَفَّا بِالمَواهِبِ ثَرَّة ً … سَدِكَ الغَنيُّ بِسيبِها وَالمُعْدَمُ
وَمَدَدْتَ لِلعافينَ ظِلاًّ وارِفاً … يَتَوشَّحُ الضّاحِي بِهِ وَالمُعْتِمُ
كُلُّ الفَضائِلِ مِنْ خِلالِكَ يُقْتَنى … وَلَديكَ يُجمَعُ فَذُّها والتَّوأَمُ
وَلِمِثْلِها أَعْدَدْتُ كُلَّ قَصيدَة ٍ … نَفَرَتْ فأنَسها الجَوادُ المُنْعِمُ
وَالشِّعْرُ صَعْبٌ مُرْتَقاهُ وَطَالَما … شَمَّ الإباءَ بِمارِنٍ لا يُخْطَمُ
وَالمدحُ يَسْهُلُ في عُلاكَ مَرامُهُ … فَنَداكَ يُمْلِيهِ عَلَيَّ وأَنْظِمُ
وَلَربَّما غَطَّ البِكَارُ، وإِنَّما … رَفَعَ الهَديرَ بِهِ الفَنيقُ المُقرَمُ