هُوَ الطَّيْفُ تُهْدِيهِ إِلى الصَّبِّ أَشْجانُ … وَلَيْسَ لِسِرٍّ فيكَ يالَيلُ كِتمانُ
يُحَدِّثُ عَنْ مَسْراهُ فَجْرٌ وَبارِقٌ … أَفَجرُكَ غَدّارٌ وَبَرقُكَ خَوّانُ.
إذا أدَّرَعَ الظَّلماءَ نمَّ سَناهُما … عَلَيهِ، فَلَمْ يُؤْمَنْ رَقيبٌ وَغَيْرانُ
وَلَيلَة ِ نَعمانٍ وَشى البَرْقُ بِالهَوى … أَلا بِأبي بَرقٌ يَمانٍ وَنَعمانُ
سَرى وَالدُّجى مُرخى ً عَلَينا رِواقُها … يُلوّي المَطا وهنا كَما مارَ ثُعبانُ
وَنَحنُ بِحَيثُ المُزنُ حَلَّ نِطاقَهُ … وَرَفَّ بِحِضْنَيْهِ عَرارٌ وَحَوْذانُ
وَلِلرَّعْدِ إِعْوالٌ، وَلِلرّيحِ ضَجَّة ٌ … وَلِلدَّوْحِ تَصْفِيقٌ، وَلِلوُرْقِ إِرْنانُ
فَللّهِ حُزْوى حينَ أَيْقَظَ رَوْضَها … رَشاشُ الحَيا والنَّجْمُ في الأفْقِ وَسْنانُ
إذا ما النَّسيمُ الطَّلْقُ غَازَلَ بانَها … أَمالَ إلَيهِ عِطْفَهُ وَهْوَ نَشوانُ
ولَو لَمْ يَكُنْ صَوْبُ الغَمامِ مُدامَة ً … تُعَلُّ بِها حُزْوى لَما سَكِرَ البانُ
وَكَمْ في مَحاني ذلكَ الجِزْعِ مِنْ مَها … تُجاذِبُها ظِلَّ الأَراكَة ِ غِزلانُ
يَلُذْنَ إذا رُمْنَ القِيامَ، بِطاعة ٍ … مِنْ الخَصْرِ يَتلوها مِنَ الرِّدْفِ عِصْيانُ
وَيُخجِلنَ بالأَغصانِ بانَة ٍ … وَتَهزَأُ بِالكُثبانِ مِنْهُنَّ كُثْبانُ
سَقى اللّه عَصْراً قَصَّرَ اللَّهْوُ طُولَهُ … بِها، وَعَلَينا للِشَّبيبة ِ رَيعانُ
يَهَشُّ لِذِكراهُ الفُؤادُ، وَلَلهوى … تَباريحُ لا يُصغي إليهنّ سُلوانُ
وَتَصْبو إلى ذاكَ الزَّمانِ، فَقَد مضَى … حَميداً وَذُمَّتْ بَعْدَ رامَة َ أَزْمانُ
إذِ العَيْش غضٌّ ذُلِّلَتْ لي قُطوفُهُ … وَفَوْقَ نِجادِي لِلذَّوائِبِ قِنْوانُ
أَروحُ على وَصلٍ وَأَغدو بِمثلِهِ … وَوِرْدُ التَّصابي لَمْ يُكَدِّرْهُ هِجرانُ
وَأَصْحَبُ فِتياناً تَراهُمْ مِنَ الحِجى … كُهولاً وَهُمْ في المأزِقِ الضَّنكِ شُبانُ
يَخُبُّ بِنا في كُلِّ حَقٍّ وَباطِلٍ … أَغرُّ وَجيهيٌّ وَوَجناءُ مِذعانُ
كَأنّي بِهم فَوقَ المَجرّة ِ جالِسٌ … لي النَّجمُ خِدنٌ وابنُ مُزنَة َ نَدمانُ
وَكَأْسٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَتْ رِداءَهَا … عَلَيها بِحَيثُ الشُّهْبُ مَثْنى وَوُحدانُ
إذا استَرقَصَ السَّاقي بَمَزجٍ حَبابها … تَرَدّى بِمثلِ اللُّؤلؤِ الرَّطبِ عقيانُ
فيا طِيبَها والشَّربُ صاحٍ وَمنتَشٍ … تَخِفُّ بِها أَيدٍ، وَتَثقُلُ أَجفانُ
دَعاني إليها مِن خُزَيمَة َ ماجِدٌ … يَزُرُّ عَلى ابن الغابِ بُرْدَيْهِ عَدْنانُ
كَثيرٌ إليهِ النّاظِرونَ إذا بَدا … قَليلٌ لَهُ في حَوْمَة ِ الحَرْبِ أقرانُ
رَزينُ حُصاة ِ الحِلمِ، لا يَستَزِلُّهُ … مُدامٌ، وَلا تُفشي لهُ السِّرَّ أَلحانُ
إذا رَنَّحَتْهُ هِزَّة ُ المَدْحِ أَخْضَلَتْ … سِجالُ أَيَادِيهِ، وَلِلحَمْدِ أَثْمانُ
تُروِّي غَليلَ المُرْهَفاتِ يَمينُهُ … إذا التَثَمَتْ في الرَّوعِ بِالنَّقعِ فُرسانُ
وَمُلْتَهباتٍ بالوَميضِ يُزيرُها … مَوارِدَ يهديها إلَيْهنَّ خِرْصانُ
تَحومُ عَلى اللَّبَّاتِ حَتّى كَأَنَّها … إذا أُشْرِعَتْ للِطَّعْنِ فيهنَّ أَشْطانُ
بِيوْمٍ تَرى الرّاياتِ فيهِ كَأَنَّها … إذا ساوَرَتْها خَطْرة ُ الرِّيح عِقبانُ
إذا ما اعْتَزَى طارَتْ إلى الجُرْدِ غِلْمَة ٌ … نَماهُمْ إلى العَلياءِ جِلدٌ وَرَيّانُ
سَأَلْتُهُمُ: مَنْ خَيْرُ سعْدِ بنِ مالِكٍ … إذا افتخَرَتْ في نَدوة ِ الحَيِّ دوُدان
فَقالُوا: بِسَيْفِ الدَّوْلَة ابنِ بَهائِها … تُناضِحُ عَدنانٌ إذا جاشَ قَحْطانُ
قَريعا نِزارٍ في الخُطوبِ، إذا دَجَتْ … أَضاءَتْ وُجوهٌ، كَالأَهلَّة ِ غُرَّانُ
يَلوذُ بَنو الآمالِ في كَنَفَيْهما … عَلى حينَ لاتَفْدي العَراقِيبَ أَلْبانُ
بِلَيثَي وغى ً، غَيثَي نَدى ً، فَكِلاهُما … لَدى المَحْلِ مِطْعامٌ، وفي الحَرْبِ مِطْعانُ
هُما نَزَلا مِنْ قَلْبِ كُلِّ مُكاشِحٍ … بِحَيثُ تُناجي سَورة َ الهَمِّ أَضعانَ
مِنَ المَزْيَدِيّينَ الأُلَى في جَنابِهمْ … لِمُلْتَمِسي المَعْروفِ أَهْلٌ وأَوطانُ
نَماهُم أَبو المِظفارِ وَهْوَ الّذي احتمَى … بِهِ حاتِمٌ إذْ شُلَّ لِلْحَيِّ أَظْعانُ
لَهُمْ سَطَواتٌ يَلْمَعُ المَوتُ خَلفَها … وَظِلٌّ حَبا مِنْ دُونِهِ الأَمْنُ فَينانُ
وَأَفْنِيَة ٌ مُخضَرَّة ٌ عَرَصاتُها … تَزَاحَمَ سُؤَّالٌ عَلَيها وَضِفانُ
ذَوُو القَسَماتِ البِيضِ وَالأُفْقُ حالِكٌ … مِنَ النَّقْعِ كاسٍ وَالمُهنَّدُ عُريانُ
وَأَهلُ القِبابِ الحُمْرِ والنَّعَمِ التي … لَها العِزُّ مَرْعى ً وَالأَسِنَّة ُ رُعْيانُ
وَخَيلٍ عَلَيها فِتْيَة ٌ ناشِرِيَّة ٌ … طَلائِعُهُمْ مِنْها عُيونٌ وَآذانُ
هُمُ مَلَؤوا صَحْنَ العِراقِ فَوارِساً … كَأَنَّهُمُ الآسادُ، وَالنَّبْلُ خَفَّانُ
يَخوضُ غِمارُ المَوْتِ مِنْهُمْ غَطارِفٌ … رِزانٌ لَدى البيضِ المَباتيرِ شُجعانُ
بِكُلِّ فَتى ً مُرْخَى الذُّؤابَة ِ باسِلٍ … عَلى صَفْحَتيهِ لِلنَّجابَة ِ عُنوانُ
يُجَرِّرُ أَذيالَ الدُّروعِ، كَأَنَّهُ … غَداة َ الوَغى صِلٌّ تُوارِيهِ غُدْرانُ
وَيُكرِمُ نَفساً، إنْ أُهينَتْ أَراقَها … بِمُعْتَرَكٍ يُروي القَنا وَهْوَ ظَمآنُ
لَهُ عِمَّة ٌ لَوْثْاءُ تَفْتَرُّ عَنْ نُهى ً … عَلِمنا بِها أَنَّ العَمائِمَ تيجانُ
إذا مارمَى تاجُ المُلوكِ بِهِ العِدا … تَوَلَّوا كَما ينصاعُ بالقاعِ ظِلْمانُ
أَغَرُّ، إذا لاحَت أسِرَّة ُ وجههِ … تَبَلَّجْنَ عَنْ صُبْحٍ، وَلِلَّيْلِ إجْنانُ
مَنيعُ الحِمَى ، لا يَخْتِلُ الذِئْبُ سَرْحَهُ … وَمِنْ شِيمِ السِّرحانِ خَتْلٌ وَعُدوانُ
لَهُ هَيبة ٌ شِيبت بِبشرٍ كَما التَقَتْ … مِياهٌ بِمَتْنِ المَشْرَفيِّ وَنيرانُ
وَبَيْتٌ يمِيسُ المَجْدُ حَوْلَ فِنائِهِ … وَجيرانُهُ لِلأَنجُمِ الزُّهرِ جيرانُ
فَأَطْنابُهُ أَسْيافُهُ، وَعِمادُهُ … رُدَينِيَّة ٌ مُلْسُ الأَنَابيبِ مُرَّانُ
وَلَو كانَ في عَهْدِ الأَحاليفِ أَعْصَمَتْ … بِهِ أَسَدٌ يَوْمَ النِّسارِ وذَبْيانُ
أَيا خَيرَ مَنْ يَتلوهُ في غَزَواتِهِ … على ثِقَة ٍ بالشَّبعِ، نَسرٌ وسِرحانُ
دَعَوْتُكَ لِلْجُلَّى فَكَفْكَفَ غَرْبَها … هُمامٌ، أَياديهِ على الدَّهرِ أَعوانُ
رَفعتَ لِصَحبي ضوءَ نارٍ عَتيقة ٍ … بِهَا يَهتدي السّارونَ والنَّجْمُ حَيرانُ
وَفاءَ عَلَيْهمْ ظِلُّ دَوْحَتِكَ الّتي … تُناصي السُّها مِنها فُروعٌ وَأَفْنانُ
فَلَمْ يَذْكُروا الأوْطانَ وَهْيَ حَبيبَة ٌ … إلَيْهمْ، وَلا ضاقَتْ عَلى العِيسِ أَعطانُ
ومَا المَجْدُ إلاّ نَبْعَة ٌ خِنْدِفِيَّة ٌ … لهَا العُرْبُ جِيرانٌ وَدودانُ أَغْصانُ