نفَّرها عنْ وردها بحاجرِ … شوقٌ يعوقُ الماءَ في الحناجرِ
وردّها على الطَّوى سواغبا … ذلُّ الغريبِ وحنينُ الزَّاجرِ
فطفقتْ تقنعها جرَّاتها … منْ شبعِ دارٍ وريٍّ حاضرِ
يكسعها التُّرابُ في أعطافها … تساندِ الأعضادُ بالكراكرِ
ذاك على سكونِ منْ أقلقها … وأنَّها وافية ٌ لغادرِ
مغرورة ُ الأعينِ منْ أحبابها … بخالبِ الإيماضِ غيرِ ماطرِ
تقابلُ المذمومَ منْ عهودهمْ … بكلِّ قلبٍ ولسانٍ شاكرِ
وهي بأرماحِ الملالِ والقلى … مطرودة ٌ منخوسة ُ الدَّوابرِ
تشكو إليهمْ غدرهمْ كما اشتكتْ … عقيرة ٌ إلى شفارِ العاقرِ
قدْ وقروا عنها وكانتْ مدَّة ً … تسمعُ منهمْ كلَّ سمعٍ وافرِ
وكلَّما ليموا على جفائها … تواكلوا فيها إلى المعاذرِ
فليتَ شعرَ جدبها إذْ صوّحوا … أينَ الخصيبُ الكثُّ في المشافرِ
وهبهمُ عنِ السِّيولِ عجزوا … فأينَ بالقاطرِ بعدَ القاطرِ
كانتْ لها واسعة ً ركابهمْ … وكيلهمْ في الحظِّ كيلُ الخاسرِ
ففيمَ ضاقوا فتناسوا حقَّها … والدَّهرُ يعطيهمْ بسهمٍ وافرِ
كانتْ وهمْ في طيِّ أغمادهمُ … لمْ تتبرَّزهمْ يمينُ شاهرِ
وافرة ً أقسامها فما لها … لمْ تقتضبْ منْ هذهِ المناشرِ
هلْ ذخرتهمْ دونَ من فوقِ الثَّرى … إلاَّ ليومِ النَّفعِ بالذَّخائرِ
لو شاوروا مجدٌ ابنَ أيُّوبَ لما … فاتتهمْ حزامة ُ المشاورِ
إذنْ لقدْ تعلَّموا ولُقِّنوا … رعيَ الحقوقِ منهُ والأواصرُ
للهِ راعٍ منهمُ مستيقظٌ … لمْ يتظلَّمْ طولَ ليلِ السَّاهرِ
يرى الصَّباحَ كلُّ منْ توقظهُ ال … عليا وما لليلهِ منْ آخرُ
جرى إلى غايتهِ فنالها … مخاطراً والسَّبقُ للمخاطرِ
ما برحتْ تبعثهُ همَّتهُ … في طلبِ الجسائمِ الكبائرُ
حتّى أنافَ آخذاً بحقهِ … منَ العلا أخذَ العزيزِ القادرِ
ردَّ عميدُ الرؤساءِ دارسَ ال … مجدِ وأحيا كلَّ فضلٍ داثرِ
حلَّقَ حتَّى اشتطَّ في سمائهِ … بحاكمٍ في نفسهِ وآمرِ
وبعدُ في الغيبِ لهُ بقيَّة ٌ … ناطقة ُ الأنباءِ والبشائرِ
ولمْ يقصِّرْ قومهُ عنْ سودَدٍ … يخبِّرُ عنْ أوَّلهمْ بالآخرِ
ولا استزلُّوا عنْ مقامِ شرفٍ … توارثوهُ كابراً عنْ كابرِ
لكنّهُ زادَ بنفسٍ فضلتْ … فضلَ يدِ الذّارعِ شبرَ الشّابرِ
والشَّمسُ معْ أنَّ النُّجومَ قومها … تنسخهنَّ بالضِّياءِ الباهرِ
وخيرُ منْ كاثركَ الفخرُ بهِ … شهادة َ الأنفسِ للعناصرِ
هوَّنَ في الجودِ عليهِ فقرهُ … أنَّ المعالي إخوة ُ المفاقرِ
فالمالُ منهُ بينَ مفنٍ واهبٍ … والنَّاسُ بينَ مقتنٍ وذاخرِ
ولنْ ترى الكفُّ القليلُ وفرها … في النَّاسِ إلاَّ لابنِ عرضٍ وافرِ
منْ راكبٌ تحملهُ وحاجة ٌ … أمُّ الطَّريقِ منْ بناتِ داعرِ
ضامرة ٌ تركَّبتْ نسبتها … شطرينَ منْ ضامرة ٍ وضامرِ
يقطعُ عنِّي مطرح العينينِ لا … أسومهُ مشقَّة َ المسافرِ
منْ أسهلتْ أو أحزنتْ رحلتهُ … فحظُّهُ حظُّ المجيرِ العابرِ
بلِّغْ على قربِ المدى وعجبٌ … قولي بلِّغْ حاضراً عنْ حاضرِ
نادِ بها الأوحدَ يا أكرمَ منْ … تثنى عليهِ عقدُ الخناصرِ
لم تسدِ النَّاسَ بحظٍّ غالطٍ … متَّفقٍ ولا بحكمٍ جائرِ
ولا وزرتَ الخلفاءَ عرضا … بلْ عنْ يقينٍمنْ عليمٍ خابرِ
ما هزَّكَ القائمُ حتَّى اختبرتْ … بالجسِّ حدَّيكَ يمينُ القادرِ
خليفتانِ اصطفياكَ بعدَ ما … تنخَّلا سريرة َ الضَّمائرِ
وجرَّبا قبلكَ كلَّ ناكلٍ … فعرفا فضلَ الجرازِ الباترِ
لمْ تكُ كالقبائلِ في حبالهِ … والدِّينُ منهُ مسحلُ المرائرِ
يأكلُ مالَ اللهِ غيرَ حرجِ الصّ … درِ بما جرَّ منَ الجرائرِ
فانعمْ بما أعطيتَ منْ رأيِّهما … وكاثرِ المجدَ بهِ وفاخرِ
واكتسِ ما ألحفتَ في ظلَّيهما … منْ ردنٍ زاكٍ وذيلٍ طاهرِ
فحسبُ أعدائكَ كبتاً وكفى … كبَّاً على الجباهِ والمناخرِ
إنَّ الَّذي ماتَ ففاتَ منهما … بقَّاكَ ذخراً بعدهُ للغابرِ
فابقَ على ما رغموا مملَّكا … أزمَّة َ الدّسوتِ والمنابرِ
ما دامتِ المروة ُ أختاً للصفا … والبيتُ بينَ ماسحٍ ودائرِ
واجلس لأيَّامِ التَّهاني مالئا … صدورها بالمجدِ والمآثرِ
تطلعُ منها كلَّ يومٍ شارقٍ … بمهرجانَ وبعيدٍ زائرِ
لكَ الزكيُّ البرُّ منْ أيَّامها … وللأعادي كلُّ يومٍ فاجرِ
واسمعْ أناديكَ بكلِّ غادة ٍ … غربيَّة ٍ لمْ تجرِ في الخواطرِ
مؤيسة ِ الغرامِ في باطنها … مطعمة ٍ في نفسها بالظَّاهرِ
وهيَ على كثرة ِ منْ يحبها … وحسنها قليلة ُ الضَّرائرِ
تستولدُ الودادَ والأموالَ منْ … كلِّ عقيمٍ في الولادِ عاقرِ
فلستَ تدري فكرة ٌ منْ شاعرٍ … جاءتْ بها أو نفثة ٌ منْ ساحرِ
ملَّككَ الودُّ عزيزَ رقِّها … وهي منَ الكرائمِ الحرائرِ
تفضلُ في وصفكَ ما تفضلهُ … في الرَّوضِ أسآرُ الغمامِ الباكرِ
لاتشتكيكَ والملالُ حظُّها … منكَ وأنْ ريعتْ بهجرِ الهاجرِ
في سالفِ الوصفِ وفي مستأنفِ ال … جفاءِ بينَ شاكرٍ وعاذرِ
واعرفْ لها اعترافها إذْ أنصقتْ … واعرفْ لها في الجورِ فضلَ الصَّابرِ