نادِ امرءاً غُيِّبَ خلفَ النَّقا … فكم فتى ً ناديتَه ما وعَى
وقُلْ لمن ليس يرى قائلاً: … بأيِّ عهدٍ دبّ فيك البلى ؟
وكيف دُلّيتَ إلى حفرة ٍ … يمحوك محو الطِّرس فيها الثرى
كذي ضَنى ً مُلقى ً، وليتَ الذي … سِيطَ به جسمُك كانَ الضَّنَى
أرَّقَني فقدُك من راحلٍ … واستلّ من عينيَّ طعمَ الكرى
وبِنتَ لا عن مللٍ من يدي … وغبتَ عن عينيَّ لا عن قِلى
فكيفَ ولَّيتَ وخلَّفتني … أكرع من بعدكَ كأسَ الأسى
كأنَّني سارٍ عل قفرة ٍ … مسلوبة ٍ أعلامُها والصّوى
أو منخفضٍ من كلّ أزواده … يحرقه القيظ بنار الصَّدى
وصاحبٍ لي صبَّا به … ودورُهُم في النائبات الحِمَى
تمَّ ولما لم يجد منتهى … غافصني فيه طروقَ الرَّدى
خُولسْتُه مُحتظِراً رابعاً … كالنَّجم ولَّى أو كغصنٍ ذَوى
بأساً وعزاً في محلِّ السُّها … وفي فؤادي منه نارُ القِرى
وإنْ تقلَّبتُ على مَضْجعي … كان لجنبي فيه جمرُ الغَضا
وكان في العينين لي قرّة ً … فصار مَيْتاً لجفوني قَذَى
قد قلتُ للمُسلين عن حزنِه … ما أنا طَوعاً لعذولٍ سَلا
فإنْ رقا دمعي فلم يَبكِهِ … . . . فلن أُصبح فيمن بكى
وكيفَ أسلاهُ وبي صبوة ٌ … أم كيف أنساهُ وفيهِ الهُدى ؟
كان كنارٍ أُضرمت وانطفت … أو بارقٍ مالاح حتى انجلى
أو كوكبٍ ما لحظتْ نورَهُ … في أُفقهِ العينانِ حتّى خوى
عليك إنْ شئتَ دموعُ الحَيا … مُعرَّساً في عَرَصاتِ الخَنا
وإنْ تَنُطْ سِوّاً إلى حفظِهِ … فهو على طولِ المدى ما فشا
كم أخذَ الدّهر لنا صاحباً … وكم طوى في تربه ما طوى
وكم أمالت كفُّهُ صَعْدة ً … عالية شاهقة َ المُرتَقَى
إنْ شئت أنْ تعجب فانظر إلى … مُرتَبَعٍ بادَ ورَبْعٍ خَلا
ونعمة ٍ سابغة ٍ قَلّصت ْ … ومنزِلٍ بعد كمالٍ غفا
من دونِ ما أرغمَ آنافَهم … ضربُ الوريدينِ وطعنُ الكُلَى
أكفّهم للمجتدين الغنى … ودورُهُ في النائباتِ الحِمى
وكم لخم من مُعجزٍ باهرٍ … أظهره للناسِ يومَ الوغى
سِيقوا إلى الموتِ كما سُوِّقتْ … للعَقْرِ بالكُرهِ بِهامُ الفلا
وطُوِّحوا في برزخٍ واسعٍ … بينَ هُوَى مظلمة ٍ أو كُدَى
كأنَّهم ماقَسَّمتْ بُرهة ً … أيديهُمُ الأرزاقَ بينَ الوَرى
ولا أقاموا العزَّ ما بينهم … بالبيضِ مَعموداً وسُمرِ القَنا
هو الرّدى ليس له مَدفعٌ … والموتُ لا يقبلُ بذلَ الرُّشا
وكم مضَى قبلك أغلوطة ً … بالسيّف من غفلته من فتى
إن ساءَني الموتُ فقد سرَّني … أنَّك فارقتَ شَهيرَ الظُّبا
تمضي إلى القوم الأُلى لم تزلْ … تجعلهم في الظلمات الهُدى
فإنْ تَبوَّأتَ لهم مَنزلاً … فهْوَ لَدى الرَّحمان أعلى الرُّبى
ولم يزلْ قبْرُك تُبلى بهِ … عليكَ إنْ شئت دوعُ الحَيا
فلم يَضِرْ ، وهو ندٍ ، تُربَه … من رحمة ٍ أن لم يصبه الندى
وإنْ تكنْ مظلمة ً حولَهُ … قبورُ أقوامٍ ففيهِ السَّنا