دبّت و قد أرخى الظّلام ستارا … و لطالما كتم الدّجى الأسرارا
سفن هي الأطواد لولا سيرها … أعهدتم جبلا مشى أو سارا ؟
كالطّير أسرابا و لكن إن عدت … تنت الرّياح و تسبق الأطيارا
مثل الكواكب في النّظام و إنّها … لكما الكواكب تبعث الأنوارا
هي كالمدائن غير أنّ نزيلها … أبدا بها يتوقّع الأخطارا
و أظنّها فقدت حبيبا أو أخا … و لذلك ارتدّت السواد شعارا
تغشى المياه لعلّ ما في قلبها … يطفى ، فتزداد الضّلوع أوارا
و تميد حتّى لا يشكّ بأنّها … سكرى و لم تذق السّفين عقارا
و تسرّ إن رأت الثّغور كأنّها … المقرور أبصر بعد جهد نارا
و بوارج قد سيّرت كالجحفل … الجرّار تحمل جحفلا جرّارا
حملت أناسا كالقرود ، و جوههم … صفراء يحكي لونها الدّينارا
فطس الأنوف ، قصيرة قاماتهم … هيهات لا تتجاوز الأشبارا
قد قادها ( طوغو ) فقاد ذلولة … تهوى الصّعاب و تعشق الأسفارا
في قبله نار و في أحشائها … مثل الذي في نفسه قد ثارا
ما زال يدفعها البخار فترتمي … كالسّهم أطلق في الفضاء فسارا
طورا ترها في السّحاب و تارة … في القاع يوشك جرمها يتوارى
حتى دنت من ثغر شمولبو الذي … جمع الألى لم يعرفوا ما صارا
نفر من الرّوس الذين سمعت عن … أفعالهم فيما مضى الأخبارا
من كلّ مغوار إذا زار الوغى … زار الحمام الفارس المغوارا
ما كان غير ( الفارياج ) لديهم … و سفينة أخرى أخفّ دثارا
قال العدوّ لهم ، و قد داناهم ، … و كفى بما وافى به إنذارا
” أمّا القتال فتلحقون بمن مضوا … أو تحسنون فتؤخذون أسارى “
كان الجواب قذائفا نارية … تهوى الورود و تكره الإصدارا
مثل الرّجوم إذا هوت لكنّها … لا تعرف الأخيار و الأشرارا
و أقلّها خطبا فكيف أشدّها … لو نالت الجبل الأشمّ انهارا
حفّت بهم سفن العداوة و أحدقت … حتى لدكت إخالها أسوارا
ما بين بارجة و طرّاد إلى … نسّافة و الكلّ يقذف نارا
ملأ دخانها و ذكاء … احتجبت ، و ما برح النّهار نهارا
و الجوّ أظلم و اكفهرّ أديمه … حتى على السّماء ستارا
و البحر خضّب بالدّماء و أصبحت … أمواجه و هي اللّجين نضارا
ذا و القنابل لم تزل منهلّة … منها تحاكي الصّيّب المدرارا
و المركبان ” الفارياج ” و أختها … في هبوة لا يعرفان قرارا
‘حداهما ظفرت بها مقذوفة … فكأنّ صاعقة أصابت دارا
فهوت بمن فيها ، و قد فتحت لها … الأمواج صدرا يكتم الأسرارا
هبطت وزاد هبوطها المتقاتل … ين على مداومة الوغى إصرارا
لكنّما الأخرى أصيب بالأذى … حتى غدت لا تملك التسيارا
فرأى الفتى ربّانها أن يفتدي … الجند الكرام من الممات فرارا
قد فرّ بعضهم و لكن جلّهم … طلبوا الفرار من الفرار خيارا
أودوا بها نسفا ، و ماتوا عندها … غرقا ، و يأبى الباسلون العارا
هذي حكايتهم أسطرها لكم … لا درهما أبغى و لا دينارا
فلئن أفادتكم فخير جاء من … شرّ ، و إلاّ فلتكن تذكارا