كَم سَهِرتُ الساعاتِ في الظلماءِ … أَرصدُ النُجمَ في فَسيحِ الفَضاءِ
وَزَفيرُ الفُؤادِ يَعلو تباعاً … فَتوافيهِ مُقلَتي بِالبُكاءِ
شاعِر الحُبِّ قيل عَنِّيَ قبلاً … لكِن اليَومَ شاعِرُ البُؤَساءِ
بِسمَ المرجُ لِلرَّبيعِ وَجَفَّت … أَدمُعُ الغَيثِ في عُيونِ الشِتاءِ
وَتعالى عَرفُ الأَزاهرِ لَمّا … اِنفَرَجَت عَن مَباسِمِ العَذراءِ
قرب ذاكَ الغَديرِ في المَرجِ طيفٌ … شاحِبُ الوَجهِ بارِزُ الأَعضاءِ
نَسجَ الجوعُ فَوقَ عَينَيهِ سَتراً … لا نَراهُ في أَعيُنِ الأَحياءِ
يَتَخَطّى إِلى الأَمامِ قَليلاً … ثُمَّ يَعدو بِسُرعَةٍ لِلوَراء
فَكَأَنَّ الحِمامَ يَبحَث عَنهُ … وَهوَ يَرجو النَجاةَ بِالالتِجاءِ
بائِسٌ وَالحَياةُ تَأنَفُ مِنهُ … كَبَقايا الحُطامِ في الدأماءِ
إِنَّهُ بدعَةٌ مِن اللَهِ لكِن … أَنكَرَتهُ جَماعَةُ الأَغنِياء
لا عَزاءَ يُنسيهِ بَعضَ عَذابٍ … في لَيالي شَقائِهِ السَوداءِ
غَيرُ نُجمِ الفَضا تُطِلُّ عَلَيهِ … كَعُيونِ السَما مِن العلياءِ
حامِلاتٍ سِرَّ الحَياةِ غَريباً … فَيَرى فيهِ روح سرِّ الضِياءِ
يَتَعَزّى إِذ ذاكَ بَعضُ عَزاءٍ … ما تَراهُ يُفيدُ بَعض العَزاءِ
تارَةً يسمعُ الغَديرَ يُغَنّي … فَيُوافيهِ صَوتُهُ بِالغِناءِ
وَغِناءُ الغَديرِ ماءٌ قراحٌ … وَغِناءُ الفَقيرِ رَجو غذاءِ
تَتَراءى لهُ الكَواكِبُ طَوراً … كَدَنانيرَ أُلقِيَت في الهَواءِ
فَيمدُّ اليَدَين لَهفاً إِلَيها … غَير أَنَّ الفَضا من البُخلاءِ
طَرَدته مَدينه الفَحشِ وَالظُل … مِ فَآواهُ مَهبَط الفُقَراءِ
ذلكَ المَهبَط الَّذي عاشَ فيهِ … هوميروسُ الكَبيرُ في الشعراءِ
حَشرَجَت روحُه صَباحَ نَهارٍ … بِعَذابٍ فَقاءَها في المَساءِ
وَعَلى الزَهرِ أَدمُعٌ مِن عُيونِ ال … فَجرِ ما جُفِّفَت بِنورِ ذُكاءِ
فَكَأَنَّ الدُموعَ مُضطَرِباتٍ … في اللَيالي مراشِفُ الضُعَفاءِ
تصرخ اللَهُ في الأَعالي اِنتِقاماً … من أُولي الجور من أُولي الإِثراءِ
أُغرُبي يا مَدينَةَ العارِ إِنَّ ال … مرجَ مَهدٌ لِدَولَةِ الأَنبِياءِ
هُو مَأوى الزُهورِ وَالزَهرُ طهرٌ … نَثَرته في المَرجِ روحُ السَماءِ
أُغرُبي يا جَهَنَّماً فَوقَ أَرضٍ … ما رَأَينا فيها سِوى الفَحشاءِ
فَالشَياطينُ مِن بَني الأَرضِ أَقوا … مٌ همُ سادَةٌ من الزُعَماءِ
كَثُرَ الإِثمُ في الوُجودِ فَيا ر … بّ تَرَحَّم وَاِعطُف عَلى التُعَساءِ
هَل خَلَقتَ الغَنِيَّ لِلمَجدِ … وَالبائِسَ أَوجدتَهُ تُرى لِلشَقاءِ