على مثله تجري الدُّموعُ السواجمُ … وتبكي ديارٌ أُخْلَيتْ وَمَعَالمُ
ومن بعده لم يبق في الناس مطمع … لأنسٍ ولا في هذه الناس عالم
لتقضِ المنايا شاءت فقد وهت … قوى الصبر وانحلت لديها العزائم
وشُقَّت قلوبٌ لا جيوبٌ وأُدْمِيَتْ … جوانح قد شُدَّت عليها الحيازم
تيقَّظ فيها للنوائب نائم … ووافى إلى حرب الزمان مسالم
وكنّا بما نلهو على حين غفلة … أمنّا هجوم الموت والموت هاجم
وما ذرفت عيناي إلاّ لحادث … ألمَّ بنا فاستعظمته العظائم
وفلَّ قضاء الله شفرة صارم … أقارع أعدائي به وأُصارم
وسكن فعلاً ماضياً من غراره … وما دخلت يوماً عليه الجوازم
وأصْبَحْتُ لا درعٌ يقيني سهامها … ولا في يميني مرهف الحد صارم
غداة رأت عيني الأمين محمداً … صريعَ المنايا والمنايا هواجم
وقد ميطَ عن ذاك الجناب الذي أرى … مآزرُ لمْ تعلق بهنّ المآثم
وقد خَلَعَتْ منه المعالي فؤادها … وإنسانُ عين المجد بالدمع عائم
وعهدي به ما لان قط لشدة ٍ … ولا أَخَذَتْ منه الأمورُ العظائم
على هذه الدنيا العَفا بعد سيّد … به العيش حتى فارق العيش ناعم
تكدِّر ذاك المنهل العذب صفوه … فلا حام ظمآناً على الماء حائم
لتبك عليه اليوم أنباءُ هاشم … إذا ما بكَتْ أبناءَها الغرَّ هاشم
تَفَرعَ عنها مُنْجِبٌ وابنُ منجبٍ … غذته لبانَ العزِّ منها الفواطمُ
فقام بأمر الله غير مداهن … لأمر ولمْ يعقد عن الحقّ قائم
ولا يتّقي في الله لومة لائم … ولم يثنه عن طاعة الله لائم
ويقدم للأمر الذي يعد الرّدى … وقد أحجمتْ عنه الأسودُ الضراغم
ويرضيه ما يرضى به الله وحده … وإنْ غضبَ القوم الطغاة وخاصموا
فرُحنا نواري في الثرى قَمر الدجى … فلا فجَّ إلاّ وهو أسْوَدُ فاحم
ونحثو على الضرغام أكرمَ تربة ٍ … ثوى في ثراها الأنجبون الأكارم
وطافت به أملاكها وتنزلتْ … من الملأ الأعلى عليه عوالم
وقلنا لقد غاض الوفاء وأقعلتْ … بوابل منهلّ القطار الغمائم
وهل تبلغ الآمال ما منيتْ به … وقد فجعتْ بالأكرمين المكارم
هنالك لم تُحبَس لعَينيَّ عبرة ٌ … عليه ولم تثبت لصبر قوائم
ومن عجب نبكيه وهو منعم … ونعبس مما قد دهى وهو باسم
سقاك الحيا المنهلُّ عشية ٍ … وحيّاك منه العارض المتراكم
نأيتَ فودَّعنا الفضائل كلّها … فيا نائباً بالله هلْ أنتَ قادم؟
ويا صخرة الوادي التي قد تصدَّعتْ … وكان لعمري يتّقيها المزاحم
لئن كان أنسي فيك أنساً مرزما … فحُزني عليك اليوم حزن ملازم
بمن أَتَسلَّى عنك والناس كلُّها … وحاشاك إلاّ من عرفت بهائم
بمن أتّقي حَرَّ الزمان وبرْدَه … ويعصمني ممّا سوى الله عاصم
وفيمن تراني أستظلّ بظلّهِ … إذا نفحتْ تشوي الوجوهَ سمائم
… وإنّي على ما فاتني منك نادم
أشَنّفُ سَمعي منك باللؤلؤ الذي … يَروقُ ولم ينظِمْه في السِّلْكِ ناظِمُ
برغميَ فارقتُ لاذين أحبّهم … ولي فيهمُ قلبٌ من الوجد هائم
وقاطعني لا عن تقالٍ مقاطعٌ … وصارمني لا عن جفاءٍ مصارم
لقد كسفتْ تلك الشموس وأغمدتْ … ببطن الثرى تلك السيوف الصوارم
… أسامرُ ذكراه بها وأنادم
وأذكر عهِد الودّ بيني وبينه … وهيهات ينسى عهده المتقادم
وقد كنت أهوى أنْ أكونَ له الفدا … فألقى الرّدى من دونه وهو سالم
ولكنْ أراد الله إنفاذَ أمرِه … ليحكم فينا بالجهالة حاكم
… ويرغم أنف الفضل للنقض راغم
تبيت القوافي بالرثاء وغيره … تنوح كما ناحت عليه الحمائم
تقلّص ذاك الظلّ عنا ولم يدم … علينا وما شيء سوى الله دائم
فيا مُرَّ ما لاقيتُ منه بفقده … على أنَّه الحلوُ اللذيذُ الملائم
ويا واعظاً حيّاً وميتاً وكلُّه … مواعظ تشفي أنفساً ومكارم
خرجتَ من الدنيا إلى الله لائذاً … برحمته والله للعبد راحم
وأعرضتَ عن دنياك حزماً وعفّة ً … وما کغتر في الدنيا الدنيّة حازم
وما عرفَ القومُ الذين نبذتهم … وراءك ما مقدار ما أنتَ عالم
… على عربيٍّ ضيَّعته الأعاجم
وقد أعوزَتْني بعده بلّة الصدى … فمن لي ببحرٍ موجُهُ متلاطم
ونكّسْتُ رأسي للزمان وخطبه … فلا وضعت فوق الرؤوس العمائم
وما زال قولي غير راضٍ وإنّما … لشدّة ما تعدو الخطوب الداهم
لكلّ اجتماع لا أباً لك فرقة … وكلُّ بناءٍ سَوْفَ يلقاه هادم
يعيد عليَّ العيدُ حزناً مجدّداً … وما هذه الأعياد إلاّ مآتم