عسى طيفُ من أهوى لعينيَ يهتدي” … ” وإني مهما ابيضت العين أرقد
كأنَّ بجفني ما بقلبي من الهوى” … ” متى يرتقب غمضاً به يتوقد
أقضّي نهاري بالكآبة والأسى” … ” وأقطع ليلي كالسّليمِ المسهَّد
وأستنشق النسماء من جانب الحمى” … ” لتطفي لهيباً من حشىً متوقد
فبالله يا ريح الصباح تحمّلي” … ” سلامَ محب نازح الدار مكمد
سلاماً لأحباب نأوْا بحشاشتي” … ” وغودرتُ مُلقىً بين ربع ومعهد
أما علموا أني مقيم على الوفا” … ” وأني في دين الهوى لم أُفَنَّدِ
تحدر دمعي يسبق الغيث جارياً” … ” ومالي أرى عينيكما مثلَ جلمد
جرى قلبُ مطبوع الهوى من جفونه” … ” وغارت دموع المدعي المتردد
ضَعَا عن بيان فوق صدري يديكما” … ” فلم تجدا إلا دمائي بموقد
وهذي دموعي فانظراها فلا يُرى” … ” صَدوق الهوى إن لم تكن مثل عسجد
وربَّانةُ السَّاقين خمصانةُ الحشى” … ” متى يرَها بدر الدجنة يسجد
أتت تنثني كالخيزرانة ليلة” … ” غُدَافيّة من شعرها المتجعد
تمزِّق من أنوارها كل ظلمة” … ” تعطِّر من أعطارها كلَّ مرقد
شكى خصرُها المظلومُ من ظلم رِدفها” … ” كما يشتكي من ظلمها العاشق الصَّدي
نثرت لها در العتاب مفصَّلاً” … ” وأبدت لعيني ما حكى لحن معبدِ
إذا أحرقت باللثم وجنتُها الحشى” … ” شفيت الحشى من ريق فِيهَا المبرّد
وبِتنا كما شاء الهوى نجتني المنى” … ” ونفتح بعد الغمِّ كل مسدَّد
إلى أن قضت بالبعد عنها يد النوى” … ” وللدهر حكم يجتدي ثم يعتدي
ومالي وشكوى الدهر هَبْ إنه اعتدى” … ” فأين نصيري منه أو أين مُنجِدي
نصبت رجائي ليلة بعد ليلة” … ” لتحصيل مأمول وتيسير مقصد
وحمّلتُ نفسي ركبَ كُل شديدة” … ” وكلفت سيري فوق حرف مشدّد
وخضتُ الدجى بحراً إلى أن بدا لنا” … ” كشمس الضحى وجه الهمام محمد
هو المخجل الدأما هوا لمنهل الدِّما” … ” هو القطر للأندى هو البدر في الندي
عريق العُلا فرّاج كل شديدة” … ” كريم السجايا باسط الوجه واليد
مليُّ الثنا فعّال كل حميدةٍ” … ” ومن يفعل المعروف في الناس يُحمدِ
إذا جئته يوماً لتفريج غمة” … ” تراه لها يهتز مثل المهنَّد
شجاع شديد الثائرات تهابه” … ” أسود الشرى من بأسه المتوقد
تعلم منه البحر سِيما سماحة” … ” فأزبد غيظاً إذ غدا جار مُزْبِد
يناديه أعيان القبائل رحمة” … ” وكلهم يبغي نجاحاً لمقصد
إلى بابه تطوى السباسب والفَلا” … ” ويثنى على مسعاه في كل مشهد
نَمَتْهُ إلى العليا عباهل سادة” … ” مقاديم قد طالوا وصالوا بسؤدد
أمن حمد حاز العلا أم أتاه من” … ” هلال الذي طم العلا أم محمد
سحائب جود تخصب الأرض عيشها” … ” تجلت علينا من سما العدل أحمد
وقام على تلك السبيل محمد” … ” يروح على فعل الجميل ويغتدي
شمائل فيه نيرات قضى بهَا” … ” حقوقَ العلا وامتاز عن كل سيد
فطَوراً تراه صهوةَ الخيل راكباً” … ” وطوراً تراه عاكفاً بطنَ مسجد
وطوراً تراه في سرير مدبّراً” … ” حكومته بالعدل يهدي ويهتدي
صحار اكتست منه جمالاً وبهجة” … ” فطالت به في حسنها المتفرِّد
أقام عليها بالعمارة بعدما” … ” تخرب منها كل شيْءٌ مشيَّدِ
وجمَّع فيهَا ما تفرق من نُهى” … ” طوائِفها باللطف والخُلُق الندي
فأضحت عروساً تستعيد شَبابَها” … ” وترتع في طِيبٍ من العيش أرغدِ
أعدَّ كرام الخيل والابْل زينةً” … ” لإدراك مطلوبٍ وتقريب أبعد
فمنهن ما كالعين أو كاللّجَينْ أو” … ” كقطعةٍ ليلٍ حالكِ الصبغ أسود
ومنها له النُجْب الكرائِمُ أَخجلت” … ” كرائِمَ للنعمان في دهر مسعد
وكم ظهرت منه محاسنُ جمّةٌ” … ” فما ينتهي بالفضل إلا ويبتدي
أتيناهُ من بُعْدٍ تجوب ركابُنا” … ” إليه الفيافي فدفداً بعد فدفد
حدانا إليه الاشتياقُ لما مضى” … ” من الوُدّ والعهد القديم المؤكد
فلم نر إلا البحر بالفضل زاخراً” … ” ولم نر إلا الفجر في برج أسعدِ
وتَّمت لنا الآمال عند لقائه” … ” وتمَّ له الاقبال في كل مقصد