هي النفس تأبى ان تذِلَّ وتُقهَرا … ترَىَ الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا
وتختارُ محموداً من الذِكرِ خالداً … على العيش مذمومَ المغَبَة مُنكَرا
مشى ابنُ عليٍ مِشيةَ الليث مُخدِراً … تحدَّته في الغاب الذئابُ فاصحَرا
وما كان كالمعطي قِياداً محاولاً … على حينَ عضّ القيدُ أن يتحررا
ولكنْ أنَوفا أبصَرَ الذُّلَّ فانثنى … لأذيالهِ عن أن تُلاَُثَ مُشمِّرا
تسامىَ سموَّ النجم يأبى لنفسه … على رغبة الأدنَينَ أن تتحدَّرا
وقد حلفتْ بيضُ الظُبا أن تنوَشه … وسمرُ القَنا الخطيِّ أن تتكسَرا
حدا الموتُ ظعنَ الهاشميينَ نابياً … بهمْ عن مقرٍّ هاشميٍ مُنَفَّرا
وغُيِّبَ عن بطحاء مكة أزهَرٌ … أطلَّ على الطَف الحزينِ فأقمَرا
وآذَنَ نورُ ” البيت ” عند برِحلة … وغاصَ النَدى منه فجفَّ وأقفرا
وطاف بأرجاء الجزيرة طائفٌ … من الحزن يوحي خِيفةً وتطيُّرا
ومرّ على وادي القُرى ظِلُّ عارضٍ … من الشُؤْم لم يلبث بها أن تَمطَّرا
وساءَلَ كلٌّ نفسَهُ عن ذُهوله … أفي يقَظةٍ قد كانَ أم كان في كَرى
وما انتفضوا إلا وركبُ ابنِ هاشمٍ … عن الحج ” يومَ الحج ” يُعجله السُرى
أبت سَورةُ الأعراب إلا وقيعةً … بها انتكَصَ الإسلام رَجْعاً إلى الوَرَا
وننُكِّسَ يومَ الطفّ تاريخُ أمة … مشى قبلَها ذا صولةٍ متبخِترا
فما كان سهلاً قبلَها أخذُ موثق … على عَرَبيّ أن يقولَ فيغدِرا
وما زالت الأضغانُ بابن أميَّةٍ … تراجِعُ منه القَلبَ حتى تحجرا
وحتى انبرى فاجتَثّ دوحةَ أحمدٍ … مفرِّعةَ الاغصان وارفةَ الذرى
وغطَّى على الأبصار حقدٌ فلم تكن … لتَجهَدَ عينٌ أن تَمُدَّ وتُبصِرا
وما كنتُ بالتفكير في أمر قتلهِ … لازدادَ إلا دهشةً وتحيُّرا
فما كان بين القوم تنصبٌّ كتبُهمُ … عليه انصبابَ السيل لما تحدَّرا
تكشَّفُ عن أيدٍ تُمَدُّ لبيعةٍ … وأفئدَةٍ قد أوشكَت أن تَقَطَّرا
وبينَ التخلَّي عنه شِلواً ممزَّقا … سوى أن تجيءَ الماءَ خِمسٌ وتُصدِرا
تولى يزيدٌ دَفَّةَ الحكم فانطوى … على الجمر من قد كانَ بالحكم أجَدرا
بنو هاشمٍ رهطُ النبيِّ وفيهُمُ … ترَعرَع هذا الدينُ غَرساً فاثمَرا
وما طال عهدٌ من رسالة أحَمدٍ … وما زالَ عودُ الملك رّيانَ اخضَرا
وفيهِمْ حسينٌ قِبلةُ الناس أصيدٌ … إذا ما مَشَى والصِيدُ فاتَ وغبَّرا
وغاض الزبيريين ان يبصِروا الفتَى … قليلَ الحِجى فيهم أميراً مُؤمَّرا
ففي كل دارٍ نَدوة وتجمُّعٌ … لأمر يُهم القومَ أن يُتدَّبرا
وقد بُثَّت الأرصادُ في كل وِجهةٍ … تخوف منها ان تُسَرَّ وتُجهَرا
وخَفُّوا لبيت المال يستنهضونَهُ … وكان على فضِّ المشاكل أقدَرا
وقد أدرك العُقْبى مَعاوي وانجلَتْ … لعينيه أعقابُ الامور تَبصُرّا
وقد كان أدرىَ بابنه وخصومِه … وأدرى بانَ الصَيدَ أجمعُ في الفرا
وكان يزيدٌ بالخمور وعصرِها … من الحكم ملتَفَّ الوشائج أبصَرا
وكانَ عليه أن يشُدَّ بعَزمه … قُوَى الأمر منها أن يَجدَّ ويسْهَرا
فشمَّر للأمرِ الجليلِ ولم يكن … كثيراً على ما رامَه ان يشمِّرا
ولكنَّه الشيءُ الذي لا معوِّض … يعوِّضُ عنه إن تولَّى وأدبَرا
وقلَّبها من كل وجه فسرَّه … بأن راءَها مما توَّقع أيسَرا
فريقينِ دينياً ضعيفاً ومُحنَقاً … ينفِّسُ عنه المالُ ما الحِقد أوغرا
وبينهما صِنفٌ هو الموتُ عينُهُ … وان كانَ معدوداً أقلَّ وأنزَرا
وماماتَ حتى بيَّن الحزمَ لابنه … كتابٌ حوى رأساً حكيماً مفكرا
وأبلَغَه أنْ قد تَتَبَّع جهدَه … مواطنَ ضَعفِ الناقمين فخدَّرا
وإن حسيناً عثرةٌ في طريقه … فما اسطاعَ فليستغنِ ان يتعثَّرا
وأوصاه شرّاً بالزبيريِّ منذرِا … وأوصاه خيراً بالحسَين فأعذَرا
لوَ ان ابن ميسونٍ أرادَ هدايةً … ولكن غَوِيٌّ راقَهُ أن يُغرِّرا
وراح ” عبيدُ الله ” يغتلُّ ضعفَه … وصُحبَتهُ ، حتى امتطاه فسيَّرا
نشا نشأةَ المستضعفينَ مرجيِّا … من الدهر أن يُعطيه خَمراً وميسِرا
وأن يتراءى قرده متقدِّماً … يجيءُ على الفُرسان أم متأخِّرا
وأغراه حُبّاً بالأخيطلِ شعرُهُ … لو اسطاعَ نَصرانيةً لتنصَّرا
وقد كان بين الحزنِ والبِشر وجهُه … عشيّةَ وافاه البشيرُ فبشَّرا
تردَّى على كره رداءَ خِلافةٍ … ولم يُلقِ عنه بعدُ للخمرِ مِئزرا
وشقَّ عليه أن يصوِّر نفسَه … على غير ما قد عُوِّدَت أن تُصوَّرا
وأن يُبتَلى بالأمرِ والنهيِ مُكرَها … وان يَجمع الضِدَّين سُكراً ومِنبَرا
إذا سَلِمت كأسٌ يُروِّحُ مُغبّقاً … عليه بها الساقي ويغدو مبكِّرا
وغنَّتهُ من شعر ” الاخيطلِ ” قَينَةٌ … وطارَحَها فيها المُغنّي فأبهَرا
فكلُّ أمور المسلمينَ بساعةٍ … من المجلِسِ الزاهي تُباع وتُشتَرى
وشاعَتْ له في مجلِس الخمر فَلْتَةٌ … من الشِعر لم تَستَثْنِ بَعثا ومَحشَرا
وقد كانَ سَهلاً عندَه أن يقولَها … وقد كانَ سهلاً عنده أن يُكفَّرا
على أنه بالرَغم من سَقَطاته … وقد جاءه نَعيُ الحسين تأثَّرا
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة … بأُخرى ، ولما ثَابَ رشْدٌ تَحسَّرا
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة … زَوَت عنه ما لاقَى الحسين تأثَّرا
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة … بأُخرى ، ولما ثابَ رشْدٌ تَحسَّرا
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة … زَوَت عنه ما لاقَى الحسينُ وما جرَىَ
ولولا ذُحولٌ قدمت في معاشِرٍ … تقاضَوا بها في الطَفِّ ديناً تأخَّرا
لزُعزِع يومُ الطف عن مُستقَرِّه … وغُيِّرَ من تاريخه فتَطَوَّرا
أقول لأقوامٍ مضّوا في مُصابه … يسومونه التحريفَ حتى تغيَّرا
دعوا رَوعةَ التاريخ تأخذْ مَحَلَّها … ولا تجهدوا آياتِه أن تُحوَّرا
وخلوا لسانَ الدهر ينطقْ فإنّه … بليغٌ إذا ما حاولَ النطقَ عَبَّرا