رعى الله مغنى بالعذيب ومعهدا … غنمنا به الأوطار مثنى وموحدا
مراتع آرام وردنا بها المنى … على حين لم يطرق لنا الدهر موردا
نغازل من غزلانها كل آنس … ونهصر من أغصانها كل أملدا
ونرشف للأفواه جاماً ممسكاً … ونلثم للجامات ثغرا منضدا
أويقات أعطاف الشبيبة غضة … على نسمات اللهو مالت تأودا
وقد غفلت عنا الخطوب بليلها … وقدماً عهدنا حادث الدهر أرودا
أأحبابنا هل أورق الرند بعدنا … وهل أفرشتكم روضة البان مقعدا
وهل مر للمشتاق ذكر بحيكم … فما زال ذكر الحي عندي مرددا
ليهنئكم أن طاعكم بعدنا الكرى … فمذ بينكم لم نوطىء الجنب مرقدا
ولا زارنا الصبر الجميل فليتكم … أمام النوى شاطر تمونا التجلدا
أطعت بكم داعي التهتك ذاهباً … بنفسي وخالفت العذول المفندا
وإني لأهوى منكم الظرف والوفا … ولم أهو أعطافاً وخداً موردا
وبي جيرة ما بي من الوجد عندهم … وأن بت أحيي بالسري ليل أنقدا
وربع هو الدنيا لدي وقلما … ترى الشمل في دنياك إلا مبددا
تقطع حبل الوصل منا ومنهم … سوى شجن الذكرى أقام وأقعدا
وما يعدم الإنسان في الأرض صحبة … ولكن بعض الصحب أدنى إلى العدى
فما أكثر الألاف في كل بلدة … وأكثر قول الزور ممن توددا
وفي الحب ما قد كان رائدة المنى … فما الحب إلا ما أتاك مجردا
وفي الناس من تدعو سجاياه للهوى … فيغدو عليها كل قلب مقيدا
تبارك من بث الشمائل في الورى … فميزهم بعد التساوي وأفردا
وخص بأسناها النسيب فلم يزل … إذا ذكرت أهل المناقب أوحدا
كريم تبدي من كرام مناصب … لذاك تسمى بالنسيب فما اعتدى
جميل الثنا يستغرق المدح وصفه … كما استغرق الألفاظ أحرف أبجدا
تناول إرث المجد قبل رضاعه … وصاحب ترب المجد طفلاً وأمردا
وجد على إثر الذين تقدموا … بهمة طلاع الثنيات اصيدا
فداس طريق المكرمات ممهداً … وداس إلى العليا عقاباً وأنجدا
كذلك من رام المعالي فإنه … يشق إليها في ذرى الخطب مصعدا
أحد رجال العقد ذهنا ونظرة … وأصدقهم في الأمر رأياً ومشهدا
وأبعدهم جرياً إلى كل غاية … وأطولهم في كل مكرمة يدا
كفاه سيوف الهند في كل غمرة … له سيف آراء يفل المهندا
وهمة ندب خشن الدهر حدها … وقد غادرت ناب الحوادث أدردا
نقي ثياب العرض طاب ثناؤه … كما طاب أخلاقاً ونفساً ومحتدا
رصانة خلق كالجبال توقرت … فلو خالطت بحراً لما جاش مزبدا
وعفة نفس لو ثوت قلب عاشق … لما بات مجهوداً يعاني التسهدا
إذا اجتمعت أهل المعالي فإنما … له الرتبة الأولى لدى كل منتدى
فلا بدع أن وافته من فيض نعمة … أقرته في أهل المراتب سيدا
حباه بها عبد الحميد تفضلاً … فكان كروض الحزن باكره الندى
حباء أتاه ناطقاً بمكانه … فلو كان ممن ينشد المدح أنشدا
ومثل نسيب أهل كل مزية … يزيد بها فخراً ويعتز سؤددا
هو العلم العالي بلبنان والذي … يشار إليه بالبنان إذا بدا
من الجنبلاطيين من شم معشر … بنوا شرفات المجد بالبأس والندى
لهم حسب المجد القديم وفوقه … لهم حسب في كل يوم تجددا
فما منهم إلا أغر مسود … أتى وارثاً منهم أغر مسودا
دعائم بيت شيد العز ركنه … فحجته أخياف المطالب سجدا
تؤممه وفد القوافي قوافلاً … فتهدى لمغناه وان كن شردا
ودونكها من آل عيسى خريدة … تطاول بالابداع معجز أحمدا
لقد سفرت والليل أرخى سدوله … فلم تبد إلاها الدجنة فرقدا
إذا انطلقت لم تأو بعد انطلاقها … جداراً معلى أو طرافاً ممددا
وحسبي منك الود فضلاً ومفخراً … مدى الدهر وأسلم فهو أكرم مجتدى