خَلَعتَ عَنِ الروحِ ثَوبَ المَدَر … فَخَفَّ العَذابُ وَطابَ السَفَر
وَأَقبَلتَ فَالقَمَرُ المُستَهامُ … أَخوكَ يُناجيكَ خَلفَ الشَجَر
وَهذي بِلادُكَ مَهدُ الزَمانِ … يَهُزُّ بِها الشَوقُ حَتّى الحَجَر
وَهذا النَسيمُ كَما كانَ أَمسِ … وَهذي الجِبالُ وَهذا الحَوَر
وَهذي الكُهوفُ بِصُلبِ الصُخورِ … جَلالُ القُرونِ عَلَيها اِنتَشَر
وَهذي عَذاراكَ يا اِبنَ الرَبيعِ … تُناديكَ مِن شَرَفاتِ القَمَر
وَصِنّينُ ما زالَ جارَ السَماءِ … وَما زالَتِ الهَضَباتُ الأُخَر
وَإِن تَكُ تُبصِرُ في سَفحِها … سَواعِدَ دَقَّت وَخُلقاً ضَمَر
فَروحُ بِلادِكَ لَمّا يَزَل … وَإِن راغَ مِنهُ صِباغُ الطُرَر
تَبَدَّلَ مِنهُ الإِطارَ الهَزيلُ … وَهَل يَتَبَدَّلُ إِلّا الخَبَر
حَكيمَ الزَمانِ وَقيثارَهُ … وَمَهدَ الهَوى وَالحَنانِ الأَبَر
هُنا الحورُ فَاِرقُد قَريراً فَما … أَحَبَّ وَأَقدَسَ هذا المَقَر
هُنا الأَنبِياءُ الأُلى قَبَّلوكَ … فَنَبَّأتَ بِالأَدَبِ المُبتَكَر
هُنا طَهُرَ الشِعرُ في شَفَتَيكَ … بِنارِ الأُلوهَةِ يا اِبنَ البَشَر
سَمِعتُ عَروسَكَ مُنذُ لَيالٍ … تُنَبّىءُ بِالحَدَثِ المُنتَظَر
وَفي يَدِها خَشَباتُ رَبابٍ … تَشَظّى عَلَيهِ الأَسى فَاِنكَسَر
وَأَبصَرتُ وَجهَكَ هذا الصَباحَ … يَطفو عَلَيهِ صَباحٌ أَغَرّ
فَيَغمُرُهُ بِبَخورِ الحَنانِ … وَيَسمَحُهُ بِزُيوتِ الكِبَر
وَيَعقُدُ في شَفَراتِ جُفونِكَ … ذَرّاتِ نورٍ كَرُؤيا ظَهَر
كَأَنَّ عَرائِسَكَ الخالِداتِ … وَقَد كُسِيَت مِن رُؤاكَ الحِبَر
أَتَتكَ تُوَدِّعُ هذا الجَمالَ … فَذابَت عَلى وَجهِكَ المُحتَضَر
عَروسُكَ عَذراءُ مِن عَبقَرٍ … أَتَتكَ مُصَبَّغَةً بِالخَفَر
تُذيبُ عَلَيكَ رُؤى الأَنبِياءِ … مُعَرَّفَةً بِرُموزِ السُوَر
مِنَ السِحرِ في مُقلَتَيها رَشاشٌ … وَلِلحُبِّ في شَفَتَيها ثَمَر
فَدَغدَعتَها في خُدورِ الرَبيعِ … وَعانَقتَها في خُدودِ الزَهَر
غَزَلتَ لَها حُوَّةً في الجُفونِ … تُخَدِّرُها عِفَّةٌ في النَظَر
وَغَمَّستَ ريشَةَ وَحيِكَ في … شَفَتَيها وَلَوَّنتَ تِلكَ الصُوَر
مَشاهِدُ أَدمَيتَ قلبَكَ فيها … وَما زِلت تُدميهِ حَتّى اِنفَجَر
تَبارَكَ قَلبٌ تُفيضُ رُسومُكَ … مِنهُ عَلى كُلِ لَوحٍ أَثَر
وَجِئتَ الوَرى بِأَناشيدِ حُبٍّ … نَقِيٍّ كَوَجهِكَ أَو كَالسَحَر
أَناشيدَ ما صَعِدَت قَبلَ عَهدِكَ … مِن حَلقِ إِنسٍ وَلا مِن وَتَر
أَناشيدَ كانَت عَلى شَفَتَيكَ … رِضاعَ الهَوى مُنذُ كانَ الصِغَر
حَلَمتَ بِأَنغامِها في الصِبى … وَعَلَّمتَ أَوضاعَها في الكِبَر