ألا أيّها الباكي فديتك باكيا … علام و فيما تستحثّ المآقيا ؟
رويدك ما أرضى لك الحزن خلّة … و هيهات أن أرضاك بالحزن راضيا
يعنّفني من كنت أدعوه صاحبا … فما انفكّ حتّى يتّ أدعوه لاحيا
دعوت لربّي أن دعاني لائم … و لم أعصه أن لا يجيب دعائيا
لقد أرخص العذّال عندي قولهم … إذا همّت العيان أرخصت غاليا
أأمنع ماء ما يروي أخا صدى … و قد كنت لا أحمي المناهل صاديا
عليّ و البكا و النوح ضربه لازب … و إنذي لأبكي أنّني لست باكيا
و كيف ارتياحي بعد هند و بيننا … مهامه لا تلقى بها الريح هاديا ؟
يظلّ بها السرحان يعوي من الطوى … نهارا ، و يطوي ليلة الخوف طاويا
لقد كنت أخشى أن يفرّق بيننا … فأصبحت أخشى اليوم أن لا تلاقيا
فيا من لقلب لا تنام همومه … و يا من لعين لا تنام اللّياليا
رأيت اللّيالي ما تزال تروعني … بأحداثها ، ما للّيالي و ما ليا
و ام يبق عند الدهر خطب أخافه … فكيف اعتذار الدّهر إن رحت شاكيا
إذا لم تكن لي آسيا أو مؤاسيا … فلا تك لوّاما وذرني و ما بيا
فإنّي رأيت اللّوم يذكي صبابتي … كذاك عهدت الزّند بالقدح واريا
ألا حبّذا من سالف العيش ما مضى … و يا حبّذا لو كان يرجع ثانيا
زمان كقلب الطّفل صاف و كالمنى … لذيذ ، و لكن كان كالحلم فانيا
أحنّ إليه في العشيّ و في الضحى … حنين جاءه الشّوق داعيا
و أذكره ذكرى العجوز شبابها … و أبكي لدى ذكراه أحمر قانيا
و لولا أمور في الفؤاد أسرّها … جعلت عليه الدهر وقفا لسانيا
خليليّ أعوام السرور دقائق … و أيّامه كادت تكون ثوانيا
و أجمل أيّام الفتى زمن الصبى … و خير الصّبا ما كان في الحبّ ناميا
رعى الله أيّامي التي قد أضعتها … فكنت كأنّي قد أضعت فؤاديا
ليالي لا هند تصدّق واشيا … و لا هي تخشى أن أصدّق واشيا
و يا طالما بتنا و لا ثالث لنا … سوى الرّاح ندنيها فتدني الأمانيا
و دار حديث الحبّ بيني و بينها … فطورا مناجاة و طورا تشاكيا
ألم تر أنّني قد نظمت حديثها … لآليء غنّاها الرواة قوافيا ؟
تولّى زمان اللّهو كالطيف في الكرى … فلست تراني بعده الدهر لاهيا
شئمت لذاذات الحياة جميعها … و لو رضيت هند سئمت شبابيا
سلام على هند و إن فات مسمعي … سلام التي أهدي إليها سلاميا
ترى عندها أنّي على العهد ثابت … و إن يك هذا البين أوهى عظاميا
فوالله ما أخشى الحمام على النّوى … و لكنّني خلودي نائيا