بِنَفْسِي عَلى قُرْبهِ النَّازِحُ … وإن غالَنِي خطبُهُ الفادِحُ
تصافَحَ تربتُهُ والنَّسمُ … فنشْرُ الصَّبا عطِرٌ فائحُ
كأنَّ المُغَرِّدَ فِي مَسْمَعِي … لِفَرْطِ اكْتِئابِي لَهُ نائِحُ
أَيا نازِلاً حيثُ يَبْلى الجديدُ … ويذْوِي أخُو البهجة ِ الواضِحُ
ذكرتكَ ذكرى المُحبِّ الحبيبَ … هيَّجَها الطَّلَلُ الماصِحُ
فما عزَّني كَبِدٌ تلْتظِي … وَلا خانَنِي مَدْمَعٌ سَافِحُ
مُقيمٌ بحيثُ يصمُّ السميعُ … ويعْمى عنِ النَّظَرِ الطامِعُ
يَرِقُّ عَلَيكَ العَدُوُّ المُبِينُ … وَيَرْثِي لَكَ الْحاسِدُ الكاشِحُ
كأنْ لَمْ يَطُلْ بِكَ يَوْمَ الفَخارِ … سَرِيرٌ وَلا أجْرَدٌ سابِحُ
وَلَمْ تَقْتَحِمْ غَمَراتِ الخُطُوبِ … فَيُغْرِقَها قَطْرُكَ النّاضحُ
سقاكَ كجودِكَ غادٍ علَى … ثَراكَ بِوابِلهِ رائِحُ
يدبِّجُ في ساحتَيْكَ الرِّياضَ … كَما نمَّقَ الكَلِمَ المادِحُ
أرى كُلَّ يَوْمٍ لَنا رَوْعة ً … كما ذُعِرَ النَّعَمُ السارحُ
نُفاجا بجدٍّ منَ المُعضِلاتِ … كأنَّ الزَّمانَ بِهِ مازِحُ
نُعَلِّلُ أنْفُسَنا بالمُقَامِ … وَفِي طَيِّهِ السَّفَرُ النَّازِحُ
حَياة ٌ غَدَتْ لاقِحاً بالحِمامِ … ولا بُدَّ أنْ تُنتجَ اللاقِحُ
وكُلُّ تمادٍ إلى غاية ٍ … وإنْ جَرَّ أرْسانَهُ الجامِحُ
وما العُمْرُ إلاّ كمهوى الرِّشاءِ … إلى حيثُ أسلمَهُ الماتِحُ
لقدْ نصحَ الدهرُ منْ غرَّهُ … فحتامَ يتهمُ النّاصحُ
حمى اللهُ أروعُ يحمِي البلادَ … مِنَ الجدْبِ معروفُهُ السّائحُ
أغَرُّ يزينُ التُّقى مجدَهُ … وَيُنْجِدُهُ الحَسَبُ الوَاضِحُ
أيا ذا المَكارِمِ لا رُوِّعَتْ … بِفَقْدِكَ ما هَدْهَدَ الصّادِحُ
فَما سُدَّ بابٌ مِنَ المَكْرُماتِ … إلاّ وأنْتَ لَهُ فاتِحُ
أبى ثِقَة ُ المُلْكِ إلاّ حِماكَ … حمى ً والزَّمانُ بهِ طائحُ
وَما كُلُّ ظِلٍّ بِهِ يَسْتَظِلُّ … مَنْ شَفَّهُ الرَّمَضُ الّلافِحُ
طَوى البَحْرَ يَنْشَدُ بَحْرَ السَّمَاحِ … إلى العَذْبِ يُقْتَحَمُ المالِحُ
فبادرتَ تخسأُ عنهُ الخطوبَ … دِفاعاً كَما يَخْسأُ النَّابِحُ
تَرُوعُ الرَّدى والعِدى دُونَهُ … كما رَوَّعَ الأعْزَلَ الرَّامِحُ
عَطَفْتَ عَليهِ أبِيَّ الحُظُوظِ … قَسْراً كَما يُورَدُ القامِحُ
وباتَ كَفيلاً لَهُ بالثَّراءِ … والعزِّ طائِرُكَ السّانِحُ
صَنائِعُ لا وَابِلُ المُعْصِراتِ … نَداها ولا طَلُّها الرّاشحُ
وأقسمُ لوْ أنَّ عزّاً حمى … مِنَ المَوْتِ ما اجْتاحَهُ جائِحُ
ولكنَّ أنْفُسَ هذا الأنامِ … منائحُ يرتَدُّها المانحُ
وأيُّ فَتًى ساوَرَتْهُ المَنُونُ … فمي يردهِ روقُها الناطِحُ
سَبَقَتَ إلى المَجْدِ شُوسَ المُلُوكِ … كَما سَبَقَ الْجَذَعَ القارِحُ