اجتلي الكاس فذي كفُّ الصَبا … حَدَرت عن مبسمِ الصبح اللثاما
واصطبحها من يَدي غضِّ الصِبا … أغيدٍ يجلو محيّاهُ الظلاما
بنتُ كرمٍ زُوِّجت بابنِ السحب … فتحلّت في لئالٍ من حَبَب
مذ جلاها الشربُ في نادي الطَرب … ضَحِكت في الكاسِ حتى قَطّبا
كلُّ مَن كان لها يُبدي ابتساما … وانثنى الزامرُ يشدو مُطرِبا
هيَ نارٌ في إناءٍ مِن بَرَد … عجباً ذابت به وهو جَمد
أبداً تحرقُ نمرودَ الكمد … وإذا منها الخليلُ اقتربا
غُودرت بَرداً عليه وسلاما … فاحتسي أعذبَ من ماءِ الربى
أشبهت صافية ً في الأكؤس … دمعة َ الهجرِ بخدَّي ألعس
إن أُديرت مَثَّلت للمحتسي … وجنة َ الساقي بها فاستُلبا
رشدُه حتى تراه مُستهاما … ليس يدري وجنة ً قد شربا
تنشىء الخفَّة في روحِ النسم … وتروضُ الصعبَ منهم للكرم
لو حساها وهو في اللؤمِ عَلَم … «مادرٌ» منه إذاً لانقلبا
ذلكَ اللؤمُ سماحاً مُستداما … ودعى خذ معَ عقلي النشبا
كم على ذاتِ الغضا من مجلس … قد كساه الروضُ أبهى مَلبس
فيه بتنا تحت بُردِ الحندس … نتعاطى من كؤوسٍ شُهبا
تطردُ الهمَّ وإن كان لِزاما … إذ به نامت عيونُ الرُقبا
ونديمي مِن بني الترك أغَن … شهدة ُ النحل بفيه يُختزن
هبَّ يثني عطفَه سُكرُ الوسن … وأخيه المصطفى ابن المجتبى
أنملاً أبدى بها الحسنُ وشاما … وكأّن خدّيه منها أُشرِبا
رشأٌ جُسِّد صافي جسمِه … من شعاعِ الخمرِ لا من جُرمِه
خَفَيت صهباؤُه من كتمِه … لسناه مذ عليها غلبا
نورُ خدّيه فما تدري الندامى … أسنا خدّيهِ أبدى لهبا
إن يقل لليل: عَسعِس، شعرُه … قال للصبحِ: تنفَّس، ثَغرُه
أومن الردف تشكَّى خصرهُ … قال يازادك: من زامَ الظِبا؟
بالخصورِ الهيفِ ضعفاً وانهضاماً … ولكاسِيكَ الوشاحَ المُذهبا
يا أليفي صبوتي بُشراكما … جاء ما قرَّت به عيناكما
ذا جديدُ الأُنسِ قد حيّاكما … وخلاصاً لكما قد جلبا
ناقلاً من صفة ِ الراحِ النظاما … فاجعلاه للتهاني سببا
خلّيا ذكرَ أحاديثِ الغَضا … واطويا من عهدِ حزوى ما مضى
وانشرا فرحة َ إقبالِ الرضا … وأخيه المصطفى ابن المجتني
إنّ إقبالَهما سَرَّ الأناما … وكذا الدنيا استهلت طربا
بوركا في الكرخ من بدري عُلى … شعَّ برجُ المجدِ لمّا أقبلا
ومحيّا الفخرِ بالبِشرِ انجلى … وأعِد ذكرَ كرامٍ نُجبا
بمُنيرَي أبرجَ المجدِ القُدامى … بكما قرَّت عيونُ النُجبا
رجع السعدُ إلى مطلعِه … والبها رُدَّ إلى موضِعه
والندى عادَ إلى منبعِه … بِسراجي شرفٍ قد أذهبا
بالسنا من أُفق الكرخ الظلاما … وخضمَّي كرمٍ قد عَذُبا
هل بَناتُ السير في تلك الفلا … علمت عادَ بها ما حملا
وبماذا بوقارٍ وعُلى … رحلت بالأمس تطوي السبسبا
حَدَراً تهبطُ أو تعلو أُكاما … وأُريحت بالمصلّى لُغبا
حملت من حرمِ المجد الكرَم … وانبرِت تسعى إلى نحوِ الحرم
وألمَّت لا لتمحيصِ اللمم … بمقام البيتِ لكن طَلَبا
لمزيد الأجرِ وافين المقاما … وبمغناه طرحنَ القتبا
قَرَّبت منه ومُنشي الفَلكِ … صفوتي بيتِ التُقى والنُسُك
بالسما أُقسمُ ذاتِ الحُبك … لهما بالحجِّ حازا رُتبا
ما حبا في مثلِها الله الأناما … هي كانت من سواها أقربا
رتباً لا يتناهى قدرُها … يسعُ الخلقَ جميعاً برُّها
حيثُ لو عاد إليهم أجرُها … واستووا في الإِثم شخصاً مذنبا
لمحى الله به عنه الإِثاما … وله من حسناتٍ كتبا
بهما سائِل، تجد حتى الحجر … شاهداً أنّهما بين البشر
مسحاهُ بيدٍ تنشى الحُطاما … هي بالجودِ لأجزالِ الحَبا
… بين إحرامٍ عن الإِثم وحلّ
ويرى للهدي بالنحرِ يصلِ … كلَّ يومٍ ويميحُ النشبا
بيدٍ لم يحكها الغيثُ انسجاما … كان طبعاً جودُها محتلبا
ثمَّ لمّا أكملا الحجَّ معاً … ودَّعا مكَّة فيمن ودَّعا
وإلى يثرب منها أزمعا … قصد مَن ألبسِ فخراً يثربا
وحباها شرفَ الذكرِ دَواما … وبه فاقَ سناها الشُهبا
ونحن كلٌّ ضريحَ المصطفى … ناشقاً طيبَ ثراه عرفا
وبه طاف ومنه عطفا … نحوَ مغنى المرتضى مرتغبا
لسواه عنه لا يلوي الزِماما … فقضى مِن حقّه ما وجبا
كم لأيدي العيسِ يا سعدُ يدُ … أبداً مشكورة ٌ لا تُجحدُ
فعليها ليسَ ينأى بلدُ … وبها وخداً سَرت أو خبَبا
يدرك الساري أمانيه الجساما … ويرى أوطأَ شيءٍ مركبا
أطلعت بالكرخ من حجب السرى … قمري سعدٍ بها قد أزهرا
وغراماً بهما أمُّ القُرى … لو أطاقت لهما أن تصحبَا
حين آبا لأتت تسعى غراما … وأقامت لا ترى منقَلبا
أوبة ٌ جاءت بنيلِ المِنَحِ … ذهبت فرحتُها بالترح
فبهذا العامِ أمُّ الفرحِ … وَلَدتها فأجدَّت طربا
بعد ما جاءت بها من قبلُ عاما … ولها الإقبالُ قد كان أبا
فاهنَ والبشرى أبا المهديّ لك … تلك علياكَ لبدرَيك فلك
قد بدا كلٌّ بها يجلو الحلك … فترى الأقطارَ شرقاً مغرِبا
لم يدع ضوؤهما فيها ظلاما … والورى أبعدَها والأقربا
مَلَت القلبَ سروراً مثلما … قد ملآتَ الكفَّ مِنها كَرَما
واحتبت زهواً تهنيّك بما … خصَّك الرحمنُ مِن هذا الحَبا
حيث لازلتَ لها ترعى الذماما … جالياً أن وجه عامٍ قَطّبا
معشرٌ ما خُلِقوا إلاّ فِدا … لبسوا الفخرَ مُعاراً فنبا
عن أُناسٍ تلبسُ الفخرَ حراما … كلّ من فيهم على الحظّ أبى
تَشتكي من مسَّ أبدانُهم … حللٌ ترفعُ من شانِهمُ
وإذا صرَّ بأيمانِهمُ … قلمٌ فهو ينادي عَجبا
صرتُ في أنملة ِ اللؤمِ مُضاما … من بها قرَّ مقيماً عُذَّبا
هب لهم درهمهم أصبحَ أب … فسما فيهم إلى أعلا الرُتب
إكرامٌ هم لدى نصِّ النسب … إن يعدّوا نسباً مُقتَضَيا
لا عريقاً في المعالي أو قدامى … عدموا الجودَ معاً والحسبا
عَبَدوا فلسَهمُ دهرَهُم … وعليه قَصروا شكرَهمُ
قصروا الوفرَ على الوفدِ دواما … وبنوا للضيفِ قدماً قِببا
إذ على تقوى من اللهِ الصمد … أُسَّس البنيانُ منها وَوطد
من له كلُّ يدٍ تشكرُ يَد … مصطفى الفخرِ وفيها أعقبا
عَشرة َ ألقى له الفضلُ الزماما … إذ سهامُ الفضلِ عشرٌ قَصبا
أعقبَ الصالحَ فيها خَلَفا … وأبا الكاظم من قد شُرِفا
والرضا الهادي حسيناً مصطفى … وأميناً كاظماً أن أغضبا
وجواداً جعفراً كلاًّ هُماما … صبية ٌ سادوا ولكن في الصِبا
معشرٌ بيتُ عُلاهم عامرُ … بهم للضيفِ زاهٍ زاهرُ
فيه ما أمُّ الأماني عاقرُّ … تَلِدُ النجحَ فتكفي الطَلَبا
وأبو الآمالِ لا يشكوا العُقاما … وعلى أبوابِه مثلُ الدَبي
أرضعت أمُّ العُلى ما ولدوا … فزكى ميلادُهم والمولِدُ
إنّهم طفلُهم والسؤدُد … يستهلاّنِ فداعِ للحبا
ذا وهذا قائلٌ طبتَ غلاما … إبقَ في حجر المعالي حقبا
صفوة َ المعروفِ قِرّوا أعينا … واهنئوا بالصفوِ من هذا الهنا
لكم السعدُ جلا وجهَ المُنى … بيدِ اليمنِ ومنه قرَّبا
لكم الإقبالُ ما ينأى مراما … فالبسوا أبرادَ زهوٍ قُشُبا
واليكم غادة ً وشّحتُها … وبريّا ذكركم عَطّرتُها
وإلى علياكم ارفقتُها … فلها جاءَ افتتاحاً طيبّا
نشرُ راح الأنسِ منكم لا الخزامى … ولها تشهدُ أنفاسُ الصَبا