مهبط الوحي مطلع الأنبياء … كيف أمسيت مهبط الأرزاء؟
في عيون الأنام عنك نبوّ … لم يكن في العيون لو لم تسائي
أنت كالحرّة التي انقلب الدّه … ر عليها فأصبحت في الإماء
أنت كالبردة الموشّاة أبلى الطّي … والنّشر ما بها من رواء
أنت مثل الخميلة الغنّاء … عرّيت من أوراقها الخضراء
أنت كاللّيث فلّم الدّهر ظفريه … وأحنى عليه طول الثّواء
أنت كالشّاعر الذي ألف الوحدة … … في محفل من الغوغاء
أنت مثل الجبّار يرسف في الأغلال … في مشهد من الأعداء
لو تشائين كنت أرفة حالا … أو لست قديرة أن تشائي
أنا ما زلت ذا رجاء كثير … ولئن كنت لا أرى ذا رجاء
قد بكى التار كوك منك قنوطا … فبكى الساكنوك خوف التّنائي
كثر النّائحون حولك حتّى … خلت أني في حاجة للعزاء
بذلوا دمعهم وصنت دموعي … إنّما اليائسون أهل البكاء
لو تفيد الدّموع شيئا لأحيت … كلّ عاف مدامع الشّعراء
أنت في حاجة إلى مثل (موسى) … لست في حاجة إلى (أرمياء)
مقلة الشّرق كم عزيز علينا … أن تكوني ربيّة الأقذاء
شرّدت أهلك النّوائب في الأرض … وكانوا كأنجم الجوزاء
وإذا المرء ضاق بالعيش ذرعا … ركب الموت في سبيل البقاء
لا يبالي مغرب في ذوبة … أن يراه ذووه في الغرباء
أرض آبائنا عليك سلام … وسقى اللّه أنفس الآباء
ما هجرناك إذ هجرناك طوعا … لا تظنّي العقوق في الأبناء
يسأم الخلد والحياة نعيم … أفترضى الخلود في البأساء؟
هذه أرضنا بلاقع، تمشي … فوقها كلّ عاصف هوجاء
هذه دورنا منازل للبو … وكانت منازل الورقاء
بدلتها السّنون شوكا من الزّهر … وبالوحش من بني حوّاء
ما طوت كارثا يد الصّبح إّلا … نشرته لنا يد الإمساء
نحن في الأرض تائهون كأنا … قوم موسى في اللّيلة اللّيلاء
تترامى بنا الرّكائب في البيداء … طورا؛ وتارة في الماء
ضعفاء محقّرون كأنا … من ظلام والنّاس من لألاء
واغتراب القوي عزّ وفخر … واغتراب الضّعيف بدء الفناء
عابنا البيض أنّنا غير عجم … والعبدّى بالسّحنة البيضاء
ويح قومي قد أطمع الدّهر فيهم … كلّ قوم حتى بني السّوداء
فإذا فاتنا عدو تجنّى … فأنارانا الأحباب في الأعداء
أطربتنا الأقلام لّما تغنّت … بالمساواة بيننا والإخاء
فسكرنا بها فلماّ صحونا … ما وجدنا منها سوى أسماء
نحن في دولة تلاشت قواها … كالنُّضَارِ المدفون في الغبراء
أو كمثل الجنين ماتت به الحامل … حيا يجول في الأحشاء
عجبا كيف أصبح الأصل فرعا … والضّحى كيف حلّ في الظّلماء
ما كفتنا مظالم التّرك حتى … زحفوا كالجراد أو كالوباء
طردوا من ربوعهم فأرادوا … طردنا من ربوعنا الحسناء
ما لنا ، والخطوب تأخذ منّا … نتلهّى كأننا في رخاء
ضيم أحرارنا وريع حمانا … وسكتنا، والصّمت للجبناء
نهضة تكشف المذلّة عنّا … فلقد طال نومنا في الشّقاء
نهضة تلفت العيون إلينا … إنّ خوف البلاء شرّ بلاء
نهضة يحمل الأثير صداها … للبرايا في أوّل الأنباء
نهضة تبلغ النفوس مناها … فهي مشتاقة إلى الهيجاء
إنّ ذا هيكل نحن فيه القلب … والقلب سيّد الأعضاء
زعم الخائنون أنّا بما نبغيه … نبغي الوصول للعنفاء
سوف يدرون أنما العرب قوم … لا يبالون غير الأسنّة السّمراء
يوم تمشي على جبال من الألاء … تمشي في لأبحر من دماء
يوم يستشعر المواؤون منّا … إنّما الخاسرون أهل الرّياء