أعلمتَ أيَّ معالمٍ ومعاهدِ … تذري عليها الدَّمع عبرة واجد
وقَفَ المشوق بها فشقَّ فؤاده … وأهاج ناراً ما لها من خامد
ولذلك الرّكب المناخ بها جوى ً … لا يستقر بها فؤاد الفاقد
من ناشد لي في المنازل مهجة … لو كان يجديها نشيد الناشد
وتردُّدُ الزفرات بين جوانحي … مما يصُوب بمدمعي المتصاعد
أضناني الشوق المبّرح في الحشا … حتَّى خفيت من الضنى عن عابدي
ظعن الألى فتسابقت أظعانهم … تجتاب بين دكادكٍ وفدافد
قل للطعنين من الهوى بقوامهم … ماذا لقيت من القوام المائد
إنّي لأذكرهم على حَرِّ الظما … قد كدتُ أشرقُ بالزلازل البارد
منعوا طروق الطيف في سنة الكرى … هيهات يطرق ساهراً من راقد
بانوا فشيَّعهم فؤادٌ وامقٌ … وَرَجَعْتُ عنهم باصطبار بائد
جاهدت فيهم لوم كلّ مفند … لو أنّ لي في الحبّ أجرَ مجاهد
مه يا عذول فقد أطلت مقصراً … في واجد تلحوه لا متواجد
يا دار حياك الغمام بصيّب … ينهلُّ بين بوارق ورواعد
وسقى زمان اللهو فيك فإنَّه … زمنٌ مضى طرباً وليس بعائد
زمن لهوت به بكل خريدة … لعِبَتْ محاسنها بلبّ العابد
دارت عليَّ الكأس في غسق الدجى … فشربتها ذهباً بماء جامد
وجرَيْت طلقاً في ميادين الهوى … لمصارع من غنية ومصائد
ولقد صحوت من الشباب وسكره … ونظرت للدنيا بعَيْنَيْ زاهد
من راح تغريه مطالع نفسه … فيما يشان به فليس براشد
إنْ كادني الطمع المبيد بكيده … فلينظرنّ مخادعي ومكايدي
وإذا قسا الخطب الملمُّ فلا تلم … حاربْ زمانك ما استطعت وجالد
أعرضتُ عن بغداد إعراض امرىء ٍ … يرتاد ما يرضي مراد الرائد
من بعد ما غال الحمام أحبَّتي … ولوى يدي بالنائبات وساعدي
حتى رأيت الخير يخصب ربعه … بأبي الخصيب ووجه عبد الواحد
بأجّل من أفرادته بفرائدي … وأجلّ من قلَّدته بقلائدي
وجهٌ عليه من الجمال أسرَّة ٌ … تبدو فتنبي عن جميل عوائد
في صبح ذاك الوجه سعد المشتري … وشهاب ذاك الوجه حدس عطارد
ابن المبارك لاسمه وسماته … ومبارك في الناس أكرم والد
سوق الأفاضل للفضائل كلها … في سوقه إنفاق شعر الكاسد
تفني أياديه الحطام تكرُّماً … فيفوز يومئذٍ بذكر خالد
تنهلُّ راحته بصيّبِ جُودِه … عذب المراد منهلٌ للوارد
لم تبق راحته وجود يمينه … من طارقٍ للمكرمات وتالد
لا زال في نعمائه وولائه … فرح الودود ورغم أنف الحاسد
لا تنكر الحسّاد من معروفه … شيءاً وليس لفضله من جاحد
وأغرَّ قد خفض الجناح لآمل … بَرٍّ رفعتُ إليه غُرَّ قصائدي
ومن السعادة أن أجيء بسابق … من برّه أسعى إليه وقائد
فأفوز منه بطلعة تجلو الدجى … وتضيء بالحسب الصميم الماجد
ولكم زردت موارداً من سيله … فحمدت فيه مصادري ومواردي
فإذا اعترفت من الكرام بفضله … جاءَت مكارمه بألفي شاهد
شهد الرجال بفضله وبرأيه … بموطن شتّى مضت ومشاهد
يمضي معاديه ويخطو هابطاً … وترى مواليه بفخر صاعد
يا مَن يُغَرّ لجهله في حلمه … إيّاك من وثباتِ ليثٍ لابد
نقد الرجال رفيعهم ووضيعهم … والزيف يظهر عند نقد الناقد
بعدت عن الفحشاء خلائق … بعد الصلاح من الزمان الفاسد
يوم النوال تراه أوَّلِ منعمٍ … ولدى الصلاة تره أولَ ساجد
لو لامست صمَّ الجلامد كفُّه … لتفجَّرَت بالماء صمُّ جلامد
أطلقتُ ألسِنَة الثناءِ عليه في … شعر يقيِّدُ في علاه شواردي
قامت بخدمته السعادة عن رضى ً … كم قائمٍ يسعى بخدمة قاعد
وفدت عليك مع الخلوص قصيدة … ولأنت أوَّل مكرم للوافد
لا غَرْوَ إنْ قَصَدَتْكَ ترغَب بالغِنى … أرأيت غيرك مقصداً للقاصد
فاقبل من الداعي إليك ما قدّمته … لا زلت ترفع بالفخار قواعدي