أذا البدرُ يُطْوَى في ربوعِ البلى لَحْدا … أم الطوْدَ حطّوا في ثرى القبر إذ هُدّا
كسوفٌ وهدٌّ تحسب الدهرَ منهما … لعين وأذن: ظلمة ً مُلِئَتْ رعدا
تولّى عن الدنيا عليّ بن أحمدٍ … وأبقى لها من ذكره الفخر والحمدا
حملنا على التكذيبِ تصديقَ نَعْيِهِ … وَسُدّتْ له الأسماعُ وانصرفت صَدّا
وقال لمن أدّى المُصاب معنَّفٌ: … فظيعٌ من الأنباءِ جئتَ به إدّا
إلى أن نعاهُ الدهر ملءَ لسانهِ … ومن ذا الذي يُخفي من الرزء ما أبدى
هنالك خضنا في العويل ولم نَجِدْ … على الكره، من تصديق ما قاله بُدّا
وقال الورى ، والأرضُ مائدة ٌ بهم، … أمِنْ سيرها في الحشر قد ذكرت وعدا
أرى الشَرفَ الفهريّ يبكي ابنَ بيته … عليّا، أما يبكي فتى ً راضَعَ المجدا
فيا معشرا حَثّوا به نحو قبره … مطيَّة َ حَتْفٍ فوقَ أيديهُمُ تُحدى
حملتمْ على الأعواد من قدْ حملتمُ … فكلّ جلالٍ قد وجدتم له فقدا
لقد دفعتْ أيديكم منه للبلى … يداً بجديد العُرفِ كانت لكم تندى
تجمّعتِ الأحزانُ في عُقْرِ داره … وفرّقتِ الأزمان عن بابه الوفدا
وسُدّ عن العافين مَهْيَعُهُمْ إلى … مكارمَ كانت من أناملهِ تُسدى
فقلْ لبني أخفقَ سعيكم … فقد حَسَرَ البحرُ الذي لكمُ مَدّا
وكم من ظباءٍ بعدما غارَ عزّهُ … حوائمَ في الآفاقِ تلتقطُ الوردا
لتبكِ عليّاً همة ٌ كرمية ٌ … ثنى قاصدوا الركبان عن ربعها القصدا
وملتحفٌ بالأثْرِ أصبح عارياً … من الفخرِ يوم الضّربِ إذ لبس الغِمدا
وأسمرُ خطيّ أمامَ كعوبه … سنانٌ ذليقٌ ينفذُ الحلقَ السردا
وحصداءُ فولاذية ٌ النسجِ لم تزلْ … من اللهذمِ الوقّادِ مطفئة ً وقدا
وأجرَدُ يُبكي الجردَ يومَ صهيله … غدا مُرجلاً عنه فلم يَسدِ الجردا
وداعٍ دعا للمعضلات ابنَ أحمدٍ … فليّنَ في كفيه منهنّ ما اشتدا
وناهيكَ في الإعظامِ من ماجدٍ به … على الزمن العادي على الناس يُستعدى
حياة ٌ تعمّ الأولياءَ هنيئة ً … وموتٌ زؤامٌ في مقارعة ِ الأعدا
وقسورة ُ الحربِ الذي يُرجعُ القنا … رواعف تكسو الأرض من علق وردا
وفيّ بنصح الملك ما ذُمَ رأيهُ … ولا حلّ ذو كيدٍ لإبرامه عقدا
وما يستطير الحلم في حلمه ولا … يجاوز هزلٌ في سجيته الجدّا
إذا عَلَمٌ بالنَّارِ أُعْلِمَ رأسُهُ … رأيتَ عليّاً منه في ليلة أهدى
ألا فُجِعَتْ أبناءُ فهر بأروع … إذا انتسبوا عدّوا له الحسب العدا
فلا قابلٌ هجرا، ولا مضمرٌ أذًى ، … ولا مخلفٌ وعداً، ولا مانعٌ رفدا
إذا ما عدا معْ قُرَّحِ السَّبقِ فاتها … وجاء بفضل الشَّدِّ ينتهب المعدى
وما قَصّرَ الله المدى إذ جرى به … ولا مدّ فيه للسوابق فامتدا
ولكنْ حدودُ العِتْقِ تجري بسابقٍ … فلا طَلَقٌ إلاَّ أعَدّ له حدّا
نماهُ من الأشراف أهلُ مفاخرٍ … يديرون في الأفواه ألسنة ً لُدّا
إذا وقف الأبطالُ عن غمرة الردى … مشى بأسهُمُ نحو الحتوفِ بهم أُسْدا
وتحسبهم قد سُرْبلوا من عِيابِهِمْ … سيوفاً، وسلّوا من سيوفهم الهندا
فما عُدّ أهلُ الرأي والبأس والندى … وإن كثُروا إلا ووفّى بهم عدّا
إذا جُمِعَتْ هذي السجايا لأوحدٍ … فما الحقُ إلا أن يراه الورى فردا
فما ظنكم في وصفنا بمملّك … يكونُ عليٌّ ذو المعالي له عبدا
عزيزٌ علينا أنْ بكته كرائمٌ … تذيبُ قلوباً في مدامعها وجدا
يَنُحْنَ مع الأشجارِ نَوْحَ حمائِمٍ … تهزّ بها الأحْزانُ أغصانَها المُلدَا
وكم في مديمات الأسى من خبيئة ٍ … مع الصّونِ أبقى الدّمعُ في خدّها خدّا
فلو رُدّ من كف المنية ِ هالكٌ … بنوحٍ بناتٍ كانَ أوّلَ مَنْ رُدّا
مضى بمضاءِ السيفِ جُربَ حدّه … فَأُبْفِي في أفعاله جاوَزَ الحدّا
وما مات مُبقي أحمدٍ ومحمدٍ … فإنَّهما سدّا المكانِ الذي سدّا
بنَى لهما مجدينِ يَحْيَى بِعزّة ٍ … وإن كان مجدٌ واحدٌ لهما هُدّا
بَدا منهما حزمٌ يسيرٌ تَمَامُهُ … وقد يثقب النار الذي يقدح الزندا
ومن لحظته عينُ يحيَى برفعة ٍ … فقد ركبَ الأيامَ واستخدمَ السعدا
فيا ساكنَ القبرِ الذي ضَمّ تُرْبُهُ … شهيدا كأنَّ الموتَ كان له شهدا
لئن فاحَ طيبٌ من ثراه لناشقٍ … ففخرُكَ فيه فتّقَ المسكَ والنّدّا
وقيتَ جلال الخطب، ما جلّ خطبه، … وقمتَ كريم النّفسِ من دونه سدّا
ورحتَ ببعضِ الرّوح فيك مودّعاً … بمؤنسة العوّادِ زُرْتَ بها اللّحدا
رثيتك حزناً بالقوافي التي بها … مَدَحتُك وُدّا، فاعتقدت ليَ الودّا
وما المدحُ إلاَّ كالثويّ نسامعٍ … ولكن بذكر الموت عادَ له ضدّا
ودنياكَ كالحرباءِ ذاتُ تلوّنٍ … ومبيضّها في العين أصبحَ مسودا
أردنا لكَ الدنيا القليلَ بقاؤها … وربّكَ في الأخرى أرادَ لك الخلدّا
فلا بَرِحَتْ، من رحمة ِ الله دائباً … تزورُ ندى كفّيك، في قبرك الأندا