أنا إن أغمض الحِمامُ جفوني … ودوى صوت مصرعي في المدينة
و تمشي في الأرض دارا فدارا … فسمعت دويّه ورنينه
لا تصيحي واحسرتاه لئلّا … يدرك السّامعون ما تضمرينه
و إذا زرتني و أبصرت وجهي … قد محا الموت شكّه و يقينه
و رأيت الصّحاب جاثين حولي … يندبون الفتى الذي تعرفينه
و تعال العويل حولك ممّن … مارسوه و أصبحوا يحسنونه
لا تشقي على ثوبك حزنا … لا و لا تذرفي الدموع السخينه
غالبي اليأس و أجلسي عد نعشي … بسكون ، إنّي أحبّ السّكينه
إنّ للصمت في المآتم معنى … تتعزّى به النّفوس الحزينة
و لقول العذّال عنك (بخيل ) … هو خير من قولهم ( مسكينة )
و إذا خفت أن يثور بك الوجد … فتبدو أسرارنا المكنونه
فارجعي و اسكبي دموعك سرّا … و امسحي باليدين ما تسكبينه
يا ابنة الفجر من أحبّك ميّت … و لأنت بمثل هذا مهينه
زايل النور مقلتيه و غابت … تحت أجفانه المعني المبينه
فأصيخي هل تسمعين خفوقا … كنت قبلا في صدره تسمعينه ؟
وانظري ثمّ فكّري كيف أمسى … ليس يدري عدوّه من و خدينه
ساكتا لا يقول شيئا و لا يس … مع شيئا و ليس يبصر دونه
لا يبالي أأودعوه الثريا … أم رموه في حمأة مسنونه
و إذا الحارسان ناما عياء … و رأيت أصحابه يتركونه
فتعالى و قبّلي شفتيه … و يديه و شعره و جبينه
قبل أن يسدل الحجاب عليه … و يوارى عنك فلا تبصرينه
واحذري أن نراك عين رقيب … و لئن كان رجل ما تحذرينه
فاذا ما أمنت لا تتركيه … قبلما يفتح الصّباح جفونه
و إذا السّاعة الرّهيبة حانت … و أريت حرّاسه يحملونه
و سمعت النّاقوس يقرع حزنا … فيردّ الوادي عليه أنينه
زوّدي الرّاحل الذي مات وجدا … بالذي زوّد الغريق السفينة
نظرة تعلم السماوات منها … أنّه مات عن فتاة أمينه
طوت الأرض من طوى الأرض حيّا … و علاه من كان بالأمس دونه
و اختفى في التراب وجه صبيح … و فؤاد حرّ و نفس مصونه
و إذا ما وقفت عند السّواقي … و ذكرت وقوفه و سكونه
حيث أقسمت أن تدومي على العه … د و آلى بأنّه لن يخونه
حيث علّمته القريض فأمسى … يتغنّى كي تسمعي تلحينه
فاذكريه مع البروق السّواري … واندبيه مع الغيوث الهتونه
و إذا ما مشيت في الروض يوما … ووطأت سهوله و حزونه
و ذكرت مواقف الوجد فيه … عندما كنت بالهوى تغرينه
حيث علّمته الفتون فأضحى … يحسب الأرض كلّها مفتونه
حيث وسّدته يمينك حتّى … كاد ينسى شماله و يمينه
حيث كنت و كان يسقيك طورا … من هواه و تارة تسقينه
حتّى حاك الربيع للروض ثوبا … كان أحلى لديه لو ترتدينه
فالثمي كلّ زهرة فيه إنّي … كنت أهوى زهوره و غصونه
ثمّ قولي للطير : مات حبيبي … فلماذا يا طير لا تبكينه
و إذا ما جلست وحدك في اللّي … ل و هاجت بك الشّجون الدّفينه
و رأيت الغيوم تركض نحو الغر … ب ركضا كأنّها مجنونه
و لحظت من الكواكب صدا … و نفارا و في النسيم خشونه
فغضبت على اللّيالي البواقي … و حننت إلى اللّيالي الثّمينه
فاهجري المخدع الجميل وزوري … ذلك القبر ثمّ حيّي قطينه
وانثري الورد حوله و عليه … واغرسي عند قلبه ياسمينه