مَا العُمْرُ ما طالَتْ به الدّهُورُ، … العمرُ ما تمَّ بهِ السرورُ
أيامُ عزي ، ونفاذِ أمري … هي التي أحسبها منْ عمري
مَا أجْوَرَ الدّهْرَ عَلى بَنِيهِ … وأغدرَ الدهرَ بمنْ يصفيهِ
لوْ شئتُ مما قدْ قللنَ جدَّا … عَدَدْتُ أيّامَ السّرُورِ عَدّا
أنعتُ يوماً ، مرَّ لي بـ ” الشامِ ” ، … ألذَّ ما مرَّ منَ الأيامِ
دَعَوْتُ بِالصَّقّارِ، ذاتَ يَوْمِ، … عندَ انتباهي ، سحراً من نومي
قلتُ لهُ : اخترْ سبعة ً كباراً … كُلٌّ نَجِيبٌ يَرِدُ الغُبَارَا
يَكُونُ لِلأرْنَبِ مِنْهَا اثْنَانِ، … وخمسة ٌ تفردُ للغزلانِ
وَاجْعَلْ كِلابَ الصّيْدِ نَوْبَتَينِ … ترسلُ منها اثنينِ بعدَ اثنين
و لاَ تؤخرْ أكلبَ العراضِِ … فَهُنّ حَتْفٌ لِلظِّبَاءِ قَاضِ
ثم تقدمتُ إلى الفهادِ … وَالبَازيَارِينَ بِالاسْتِعْدَادِ
وقلتُ : إنًَّ خمسة ً لتقنعُ … وَالزُّرّقَانِ: الفَرْخُ وَالمُلَمَّعُ
و أنتَ ، يا طباخُ ، لا تباطا … عجلْ لنا اللباتِ والأوساطا
ويا شرابي البلقسياتِ … تَكُونُ بِالرّاحِ مُيَسَّرَاتِ
بِالله لا تَسْتَصْحِبُوا ثَقِيلا … واجتنبوا الكثرة َ والفضولا
ردوا فلاناً ، وخذوا فلانا … وَضَمّنُوني صَيْدَكُمْ ضَمَانَا
فاخترتُ ، لمَّـا وقفوا طويلا، … عشرينَ ، أو فويقها قليلا
عِصَابَة ٌ، أكْرِمْ بِهَا عِصَابَهْ، … معروفة ٌ بالفضلِ والنجابه
ثُمّ قَصَدْنَا صَيْدَ عَينِ قَاصِرِ … مَظِنّة َ الصّيْدِ لِكُلّ خَابِرِ
جئناهُ والشمسُ ، قبيلَ المغربِ … تَختالُ في ثَوْبِ الأصِيلِ المُذهَب
وَأخذَ الدُّرّاجُ في الصّيَاحِ، … مُكْتَنِفاً مِنْ سَائِرِ النّوَاحي
في غَفْلَة ٍ عَنّا وَفي ضَلالِ، … ونحنُ قد ْ زرناهُ بالآجالِ
يَطْرَبُ للصُّبْحِ، وَلَيسَ يَدرِي … أنَّ المنايا في طلوعِ الفجرِ
حَتى إذَا أحْسَسْتُ بِالصّبَاحِ … ناديتهمْ : ” حيَّ على الفلاحِ “
نحنُ نصلي والبزاة ُ تخرجُ … مُجَرَّدَاتٍ، وَالخُيُولُ تُسْرَجُ
فقلتُ للفهادِ : فامضِ وانفردْ … وَصِحْ بنا، إنْ عنّ ظبيٌ، وَاجتَهِدْ
فلمْ يزلْ ، غيرَ بعيدٍ عنا ، … إليهِ يمضي ما يفرُّ منا
وَسِرْتُ في صَفٍّ مِنَ الرّجالِ، … كَأنّمَا نَزْحَفُ لِلْقِتَالِ
فما استوينا كلنا حتى وقفْ … لَمّا رَآنَا مَالَ بِالأعْنَاقِ
ثمَّ أتاني عجلاً ، قالَ : ألسبقْ … فقُلتُ: إن كانَ العِيانُ قد صَدَقْ
سِرْتُ إلَيْهِ فَأرَاني جَاثِمَهْ … ظَنَنْتُهَا يَقْظَى وكَانَتْ نائِمَهْ
ثُمّ أخَذتُ نَبَلَة ً كانَتْ مَعي، … وَدُرْتُ دَوْرَيْنِ وَلَمْ أُوَسَعِ
حتى تمكنتُ ، فلمْ أخطِ الطلبْ ، … لكلِّ حتفٍ سببٌ منَ السببْ
وَضَجّتِ الكِلابُ في المَقَاوِد، … تَطْلُبُهَا وَهْيَ بِجُهْدٍ جَاهِدِ
وَصِحْتُ بِالأسْوَدِ كَالخُطّافِ … ليسَ بأبيضٍ ولا غطرافِ
ثمَّ دعوتُ القومَ : هذا بازي … فأيكم ْ ينشطُ للبرازِ ؟
فقالَ منهمْ رشأٌ : ” أنا ، أنا ” … وَلَوْ دَرَى مَا بِيَدي لأذْعَنَا
فَقُلْتُ: قَابِلْني وَرَاءَ النّهْرِ، … أنْتَ لِشَطْرٍ وَأنَا لِشَطْرِ
طارتْ لهُ دراجة ٌ فأرسلا … أحْسَنَ فِيهَا بَازُهُ وَأجمَلا
عَلَّقَهَا فَعَطْعَطُوا، وَصَاحُوا، … و الصيدُ منْ آلتهِ الصياحُ
فقلتُ : ما هذا الصياحُ والقلقْ ؟ … أكُلُّ هذا فَرَحٌ بِذا الطَّلَقْ؟
فقالَ : إنَّ الكلبَ يشوي البازا … قَد حَرَزَ الكَلْبُ، فَجُزْ، وَجَازَا
فلمْ يزلْ يزعقُ : يا مولائي … وَهْوَ كَمِثْلِ النّارِ في الحَلْفَاءِ
طارتْ ، فأرسلتُ فكانتْ سلوى … حَلّتْ بِهَا قَبْلَ العُلُوّ البَلْوَى
فَمَا رَفَعْتُ البَازَ حَتى طَارَا … آخَرُ عَوْداً يُحْسِنُ الفِرَارَا
أسودُ ، صياحٌ ، كريمٌ ، كرَّزُ ، … مُطرَّزٌ، مُكَحَّلٌ، مُلَزَّزُ
عليهِ ألوانُ منَ الثيابِ … مِنْ حُلَلِ الدّيبَاجِ وَالعُنّابي
فلمْ يزلْ يعلو وبازي يسفلُ … يحرزُ فضلَ السبقِ ليسَ يغفلُ
يَرْقُبُهُ مِنْ تَحْتِهِ بِعَيْنِهِ، … وَإنّمَا يَرْقُبُهُ لِحيْنِه
حتى إذا قاربَ ، فيما يحسبُ ، … معقلهُ ؛ والموتُ منهُ أقربُ
أرْخَى لَهُ بِنَبْجِهِ رِجْلَيْهِ، … والموتُ قدْ سابقهُ إليهِ
صِحْتُ وَصَاحَ القَوْمُ بالتّكْبيرِ، … وغيرنا يضمرُ في الصدورِ
ثمّ تَصَايَحْنَا فَطَارَتْ وَاحِدَهْ … شيطانة ٌ منْ الطيورِ ماردهْ
من قربٍ فأرسلوا إليها … وَلَمْ تَزَلْ أعْيُنُهُمْ عَلَيْهَا
فَلَمْ يُعَلِّقْ بَازُهُ وَأدّى … مِنْ بَعْدِ مَا قَارَبَهَا وَشَدّا
صحتُ : أهذا البازُ أمْ دجاجهْ ؟ … ليتَ جناحيهِ على دراجهْ
فاحمرتِ الأوجهُ والعيونُ … وَقَالَ: هَذا مَوْضِعٌ مَلْعُونُ
إنْ لزَّها البازُ أصابتْ نبجا … أوْ سقطتْ لمْ تلقَ إلاَّ مدرجا
اعدلْ بنا للنبجِ الخفيفِ … وَالمَوْضِعِ المُنْفَرِدِ المَكْشُوفِ
فقثلتُ : هذي حجة ٌ ضعيفة ْ … وغرَّة ٌ ظاهرة ٌ معروفهْ
نحنُ جميعاً في مكانٍ واحدِ ، … فَلا تُعَلِّلْ بِالكَلامِ البَارِدِ
قصَّ جناحيهِ يكنْ في الدارِ … معَ الدباسي ، ومعَ القماري
وَاعْمِدْ إلى جُلْجُلِهِ البَدِيعِ، … فاجعلهُ في عنزٍ منَ القطيعِ
حتى إذا أبْصَرْتُهُ، وَقد خَجِلْ، … قُلتُ: أرَاهُ، فارِهاً، على الحَجَلْ
دعهُ ، وهذا البازُ فاطردْ بهِ … تَفَادِياً مِنْ غَمّهِ وَعَتْبِهِ
وقلتُ للخيلِ ، التي حولينا : … تَشَاهَدُوا كُلُّكُمُ عَلَيْنَا
بِأنّهُ عَارِيَة ٌ مَضْمُونَه، … يُقِيمُ فِيهَا جَاهَهُ وَدِينَهْ
جئتُ ببازٍ حسنٍ مبهرجِ … دُونَ العُقَابِ وَفُوَيقَ الزُّمَّجِ
زينٍِ لرائيهِ ، وفوقَ الزينِ ، … يَنْظُرُ مِنْ نَارَيْنِ في غَارَيْنِ
كأنَّ فوقَ صدرهِ والهادي … آثَارَ مَشْيِ الذَّرّ في الرّمَادِ
ذِي مِنْسَرٍ فَخْمٍ وَعَيْنٍ غائِرَهْ، … وفخذٍ ملءَ اليمينِ وافرهْ
ضَخْمٍ، قَرِيبِ الدَّسْتَبَانِ جِدّا … يَلْقَى الّذِي يَحمِلُ مِنهُ كَدّا
وَرَاحة ٍ تَغْمُرُ كَفّي سَبْطَهْ … زَادَ عَلى قَدْرِ البُزَاة ِ بَسْطَهْ
سُرّ، وَقالَ: هاتِ قلتُ: مَهْلا … احلفْ على الردِّ”فقالَ:كلاَ
أما يميني ، فهي عندي غاليهْ … وكلمتي مثلً يميني وافيه
قُلْتُ: فَخُذْهُ هِبَة ً بِقُبْلَة … فَصَدّ عَني، وَعَلَتْهُ خَجْلَهْ
فلمْ أزلْ أمسحهُ حتى انبسطْ … وَهَشّ للصّيدِ قَلِيلاً، وَنَشَطْ
صحتُ بهِ :اركبْ فاستقلَّ عنْ يدِ … مُبادِراً أسرَعَ مِنْ قَوْلِ: قَدِ
وَضَمّ ساقَيهِ وَقَالَ: قَدْ حَصَلْ … قلتُ لهُ:”الغدرة ُ منْ شرِّ العملْ ”
سرتُ ، وسارَ الغادرُ العيارُ … ليسَ لطيرٍ معنا مطارُ
ثمَّ عدلنا نحونهرِ الوادي ، … وَالطّيْرُ فِيهِ عَدَدُ الجَرَادِ
أدَرْتُ شَاهِينَيْنِ في مَكَانِ … لكثرة ِ الصيدِ معَ الإمكانِ
دارا علينا دورة ً وحلقا ، … كِلاهُمَا، حَتى إذَا تَعَلّقَا
تَوَازَيَا، وَاطّرَدَا اطّرَادا، … كالفارسينِ التقيا أو كادا
ثَمّتَ شَدَّا فَأصَابَا أرْبَعَا … ثَلاثَة ً خُضْراً، وَطَيْراً أبْقَعَا
ثمَّ ذبحناها ، وخلصناهما … وَأمْكَنَ الصّيْدُ فَأرْسَلْنَاهُمَا
فَجَدّلا خَمْساً مِنَ الطّيُورِ، … فَزَادَني الرّحْمَنُ في سُرُورِي
أربعة ً منها أنيسيانِ … وَطَائِراً يُعْرَفُ بالِبَيْضَاني
خَيْلٌ نُنَاجِيهِنّ كَيْفَ شِينَا … طيعة ٌ ، ولجمها أيدينا
وهيَ إذا ما استصعبَ القيادهْ … صَرّفَهَا الجُوعُ عَلى الإرَادَهْ
… تَسَاقَطَتْ مَا بَيْنَنَا مِنَ الفَرَقْ
حتى أخذنا ما أردنا منها … ثُمّ انْصَرَفْنَا رَاغِبِينَ عَنْهَا
إلى كراكيَّ بقربِ النهرِ … عشراً نراها ، أو فويقَ العشرْ
لَمّا رآها البَازُ، من بُعْدٍ، لَصَقْ … وَحَدّدَ الطّرْفَ إلَيْهَا وَذَرَقْ
فدارَ حتى أمكنتْ ثمَّ نزلْ … فَحَطّ مِنْهَا أفْرَعاً مِثلَ الجَمَلْ
ما انحطَّ إلاَّ وأنا إليهِ … ممكناً رجليَّ منْ رجليهِ
جلستُ كيْ أشبعهُ إذا هيهْ … قد سَقطَتْ من عَن يَمينِ الرَابِيَهْ
فَشلْتُهُ أرْغَبُ في الزّيَادَة ، … وَتِلْكَ للطّرَادِ شَرُّ عَادَة
لَمْ أَجْزِهِ بِأحْسَنِ البَلاءِ، … أطَعتُ حِرْصِي، وَعَصَيْتُ دَائي
فلمْ أزلْ أختلها وتختتلْ ، … وإنما نختلها إلى أجلْ
عمدتُ منها لكبيرٍ مفردِ … يمشي بعنقٍ كالرشاءِ المحصدِ
طارَ ، وما طارَ ليأتيهِ القدرْ ، … وهلْ لما قدْ حانَ سمعٌ أوْ بصرْ ؟
حتى إذا جدلهُ كالعندلِ ، … أيقنتُ أنَّ العظمَ غيرُ الفصلِ
ذَاكَ، عَلى مَا نِلْتُ مِنهُ، أمْرُ … عثرتُ فيهِ وأقالَ الدهرُ
صحتُ إلى الطباخِ : ماذا تنتظر؟ … انزِلْ عنِ المهرِ، وَهَاتِ ما حَضَرْ
جَاءَ بِأوْسَاطٍ، وَجُرْدِ تَاجِ، … منْ حجلِ الصيدِ ومنْ دراجِ
فما تنازلنا عنِ الخيولِ، … يمنعنا الحرصُ عنِ النزولِ
وَجِيءَ بِالكَأسِ وَبالشّرَابِ، … فَقُلتُ: وَفّرْهَا على أصْحابي
أشْبَعَني اليَوْمَ وَرَوّاني الفَرَحْ، … فقدْ كفاني بعضُ وسطٍ وقدحْ
ثمَّ عدلنا نطلبُ الصحراءَ ، … نَلْتَمِسُ الوُحُوشَ وَالظّبَاءَ
قَدْ صَدَرَتْ عَنْ مَنهَلٍ رَوِيِّ، … منْ غبرِ الوسميِّ والوليِّ
ليسَ بمطروقٍ ولا بكيِّ، … ومرتعٍ مقتبلٍ جنيّ
مرَّ عليهِ غدقُ السحابِ … بواكفٍ ، متصلِ الربابِ
مازالَ في خفضٍ ، وحسنِ حالِ … حَتى أصَابَتْهُ بِنَا اللّيَالي
سِرْبٌ حَمَاهُ الدّهْرُ مَا حَمَاهُ … لَمّا رَآنَا ارْتَدّ مَا أعْطَاهُ
بادرتُ بالصقارِ والفهادِ … حَتى سَبَقْنَاهُ إلى المِيعَادِ
فَجَدَّلَ الفَهْدُ الكَبِيرَ الأقْرَنَا، … شدَّ على مذبحهِ واستبطنا
وجدَّلَ الآخرُ عنزاً حائلاً … رَعَتْ حمى الغَوْرَينِ حَوْلاً كاملا
ثُمّ رَمَيْنَاهُنّ بِالصّقُورِ … فَجِئْنَهَا بِالقَدَرِ المَقْدُورِ
أفْرَدْنَ مِنها في القَرَاحِ وَاحِدَة … قدْ ثقلتْ بالخصرِ وهيَ جاهدهْ
مَرّتْ بِنَا، وَالصّقْرُ في قَذالِهَا … يُؤذِنُهَا بِسيِّءٍ مِنْ حَالِهَا
ثمَّ ثناها وأتاها الكلبُ … هما ، عليها ، والزمانُ إلبُ
فَلَمْ نَزَلْ نَصِيدُهَا وَنَصْرَعُ … حَتى تَبَقّى في القطِيعِ أرْبَعُ
ثمَّ عدلنا عدلة ً إلى الجبلْ … إلى الأراوي ، والكباشِ والحجلْ
فَلَمْ نَزَلْ بِالخَيْلِ وَالكِلابِ … نحوزها حوزاً ، إلى الغيابِ
ثمَّ انصرفنا ، والبغالُ موقرهْ ، … في لَيلَة ٍ، مثلِ الصّبَاحِ، مُسفِرَهْ
حتى أتينا رحلنا بليلِ ، … وَقَدْ سُبِقْنَا بِجِيَادِ الخَيْلِ
… حتى عددنا مئة ً وزيدا
فلمْ نَزَلْ نَقلي، وَنشِوي، وَنصُبْ، … حَتى طَلَبْنَا صَاحِياً فَلَمْ نُصِبْ
شُرْباً، كمَا عَنّ، مِنَ الزِّقَاقِ … بغيرِ ترتيبٍ ، وغيرِ ساقِ
فَلَمْ نَزَلْ سَبْعَ لَيَالٍ عَدَدا … أسعدَ مَن رَاحَ، وَأحظَى مَن غَدا