صبوح دمٍ يساجله غبوق … وليل ردى ً يواصله شروق
لقد طالت معاقرة المنايا … فما تصحو السيوف وما تفيق
إذا وصفوا حمياها لقومٍ … تخاذلت المفاصل والعروق
وما تدري السقاة بأي كأسٍ … تطوف وأي ذي طربٍ تشوق
ترى شرابها صرعى إذا ما … تحستها الحلاقم والحلوق
كأن الأرض والهة ً توالت … فجائعها وأعوزها الشفيق
تتابع ما يحل بساكنيها … من النوب الثقال وما يحيق
كأن جميع أهليها تجارٌ … وكل بلادها للموت سوق
لقد هد الممالك ما تعاني … من القدر المتاح وما تذوق
حروب يستغيث البغي منها … وينبو الإثم عنها والفسوق
تداس بها الشرائع والوصايا … وتنتهك المحارم والحقوق
تفنن في المهالك موقدوها … وبعض تفنن الحذاق موق
تردى البر والإيمان فيها … وضج الكفر منها والعقوق
فما يرضى إله الناس عنها … ولا يرضى يغوث ولا يعوق
إذا ابتدرت أجادلها مطاراً … أسف النسر وانحط الأنوق
إذا دانت مكان النجم هاجت … وساوسه ولج به الخفوق
تبيت له الفراقد جازعاتٍ … إذا هتك الظلام لها بريق
يهيج خبالها تأويب طيفٍ … يخال له لمامٌ أو طروق
إذا ابتدر السرى منها فريقٌ … تعثر في مساريه فريق
غمائم لحن من بيضٍ وسودٍ … تريق من المنايا ما تريق
تصب الموت أحمر لا قضاءٌ … يدافعه ولا قدرٌ يعوق
سهام وغى ً تسددها عقولٌ … لها في كل غامضة ٍ مروق
تباري الجن في الإبداع آناً … تحاكيها وآونة ً تفوق
إذا الأسباب كانت واهياتٍ … دعت فأجابها السبب الوثيق
جرت طلقاً فجاءت سابقاتٍ … وجاء وراءها الأمد السحيق
وأخرى تنفث الأهوال يجري … بمقذوفاتها القدر الطليق
ترد حقائق الزلزال وهماً … وتبطل ما ادعاه المنجنيق
لقد حمل الردى المجتاح منها … ومن أهوالها ما لا يطيق
إذا قذفت فملء الجو رعبٌ … وملء الأرض موتٌ أو حريق
تتابع لجتين دماً وناراً … سلام الناس بينهما غريق
يهم إليه ويلسن حين يدعى … وقد سد الطريق فلا طريق
حماه من القياصر كل غازٍ … يسوق من الفيالق ما يسوق
يعبئها وينفذها سراعاً … تراع لها العواصف والبروق
إذا ضاقت فجاج الأرض عنها … سمت في الجو فانفرج المضيق
وفي الدأماء داءٌ مستكن … وجرحٌ في جوانحها عميق
إذا الأسطول أحدث فيه رتقاً … توالت في جوانبه الفتوق
تطير مدائن النيران منه … وتهوي الفلك فيه والوسوق
يخيب الحول المرجو فيه … ويهلك عنده الآسى اللبيق
أصاب بشره الدنيا جميعاً … فما تصفو الحياة وما تروق
تفاقمت الخطوب فلا رجاءٌ … وأخلفت الظنون فلا وثوق
تطالعنا السنون مروعاتٍ … ونحن إلى أهلتها نتوق
يمر العهد بعد العهد شراً … فأين الخير والعهد الأنيق
نوائب روع التنزيل منها … وضج القبر والبيت العتيق
أيقدر للممالك ما تمنى … وقد علقت بني الدنيا علوق
أمض قلوبنا داءٌ دخيلٌ … وهم في جوانحنا لصيق
وبرح بالترائب مستطيرٌ … يعاوده التميز والشهيق
وجف الريق حتى ود قومٌ … لو أن السم في اللهوات ريق
بنا من ضارب الحدثان مالا … يطيق مضاءه العضب الذليق
كأن جراحه في كل قلبٍ … شفاهٌ للمنية أو شدوق
رويد البوم والغربان فينا … أما يفنى النعيب ولا النعيق
أكل غدية ٍ بالسوء داعٍ … وكل عشية ٍ للشر بوق
وددنا للنواعب لو عمينا … وسدت من مسامعنا الخروق
يكذب ما نخاف من البلايا … رجاء الله والأمل الصدوق
ويعلو الحق بين مهولاتٍ … من الأنباء باطلها زهوق
أقول لجازع الأقوام صبراً … فإن الصبر بالعاني خليق
إذا فدحت خطوب الدهر يوماً … فنعم العون فيها والرفيق
رويدك إن ريب الدهر حتمٌ … وإن الشر في الدنيا عريق
لعل الله يدركنا بغوثٍ … يبدل ما يروع بما يروق
له الآلاء سابغة ً ومنه … خفي اللطف والصنع الرقيق
يريد فترعوي النكبات عنا … وتزدجر الخطوب وتستفيق
نؤمل ما يليق به ونشكو … إليه من الأذى ما لا يليق