حماة الوغى أين السلام الموطد … وأين الوصايا والذمام المؤكد
عهودٌ كتضليل الأماني وراءها … وعودٌ كما طار الهباء المبدد
أطالت عناء السيف والسيف مغمدٌ … وطاحت به في الروع وهو مجرد
زعمتم فصدقنا وقلتم فكذبت … أفاعيل منكم بادئاتٌ وعود
كأن الوغى ملهى ً كأن الردى هوى ً … كأن الدم الجاري شرابٌ مبرد
كأن أنين الهالكين مردداً … أهازيج في أسماعكم تتردد
كأن بني حواء تزجى جموعهم … إلى حومة الحرب النعام المطرد
كأن كتاب الله لغوٌ كأنكم … على الناس أربابٌ تطاع وتعبد
ملأتم فجاج الأرض ناراً فلم تبت … من الخوف إلا وهي بالناس ميد
ففي مصر زلزالٌ وللهند وقعة ٌ … وبالصين إجفالٌ وللشام موعد
لئن كان متن الجو بالحتف موقراً … فإن عباب البحر بالهول مزبد
أبيتم فما يلفى على الأرض مهبطٌ … لناجٍ ولا يلفى إلى النجم مصعد
أماناً حماة السلم لا تمسحوا الدنى … ولا تذبحوا عمرانها وهو يولد
عبثتم بآمال الشعوب فأبغضت … من العيش ما كانت تحب وتحمد
لئن ضجت الهلاك من نكد الردى … لعيش الألى لم يطمعوا الهلك أنكد
نبت ببنيها الأرض واجتاح أمنهم … حثيث الردى يفني النفوس ويحصد
وجف معين المال فالرزق معوزٌ … وإن أمعن الساعي إلى القوت يجهد
فواجع هال اليوم والأمس وقعها … وريع لها من قبل أن يولد الغد
تود الدراري الطالعات لو أنها … محجبة مما تراعي وتشهد
كأن نجوم السعد غضبى على الدنى … إذا ضمها يومٌ من النحس أسود
كأن الدنى حمراً وسوداً من الوغى … جهنم تحمى للعصاة وتوقد
كأن الألى صبوا على أهلها الردى … زبانية ٌ منها حديدٌ وجلمد
وقائع لم يشهد لها الدهر مرة ً … شبائه تروى أو نظائر تعهد
لئن كان هزلاً ما رأى الناس قبلها … فتلك التي لا هزل فيها ولا دد
أقامت شياطين الحروب ملاوة ً … تعد لها أعدادها ثم تحشد
أجدت فنوناً من سلاحٍ وعدة ٍ … لدى مثلها تخبو العقول وتخمد
تظل الجيوش الغلب من فتكاتها … حيارى يهب الموت فيها ويركد
يثور الردى منها فلا القرن باسلٌ … ولا الطرف سباقٌ ولا الحصن أقود
تدين الكماة الصيد طوعاً لحكمها … إذا جعلت آجالهم تتمرد
تقرب من أسبابها وهي نزعٌ … وتجمع من أسرابها وهي شرد
فما لقيت نفسٌ من الهول مثلها … ولا أبصرت عينٌ ولا صافحت يد
حروبٌ يظل الدهر يرزح تحتها … على أنه ضخم المناكب أيد
يساق إليها ذو البنين فما لهم … سوى اليتم والٍ بعده يتفقد
يلوذون من هول الفراق بأعينٍ … تمج الأسى منه توأمٌ ومفرد
وضجت بمكتوم الغليل مروعة ً … أهاب بها الداعي فطاح التجلد
وإن هودت في الوجد منها حشاشة ٌ … ألحت عليها لوعة ٌ ما تهود
جرى دمعها من روعة البين فالتقى … ذليقان مسلولٌ وآخر مغمد
وما راع وقع السيف والحرب تلتظي … كما راع وقع الدمع والبين يأفد
مضى للوغى والنفس من لوعة النوى … مولهة ٌ والقلب حران مكمد
فلما بدت شم الحصون وأشرفت … لياج وماج الجيش يدنو ويبعد
تذكر في برلين أهلاً ومعهداً … وقد شط من برلين أهلٌ ومعهد
ولم يبق إلا الحرب تهوي رجومها … هوياً تهال الأرض منه وترعد
تفجرت النيران من كل قاذفٍ … بأرجائها واستجمع الدم يجمد
وطارت بها الأرواح فوضى يضمها … إلى الله عزرائيل والله يرصد
قذائف ملء الجو يرمي حثاثها … من الحتف ذي الأهوال رامٍ مسدد
إذا ما ألمت بالحصون تطايرت … ذراها العلى واندك منها الموطد
إذا جحدت تدمير أخرى تهابها … أتاها من التدمير ما ليس يجحد
إذا داهمتها لم تفدها ضراعة ٌ … ولو خر عاتبها على الأرض يسجد
تحاول أسباب الفرار لعلها … تغاث إذا طارت سراعاً وتنجد
تود ارتياعاً لو حوتها حمامة ٌ … وغيبها تحت الجناحين هدهد
وقد ملك الآفاق نسرٌ محلقٌ … يطوف بأكناف السهى يتصيد
يشد عليها بالحتوف ولو غدت … تشد بأسباب السماء وتعقد
وأخرى إذا زاغ الردى عن سبيله … وطاح به ليلٌ من الشك أربد
أضاءت له سود الغياهب وانبرت … على البعد تهديه السبيل وترشد
وإن أجمعت أخرى صدوداً عن الوغى … أتتها خيالات الوغى تتودد
تنبه من لوعاتها وهي هجد … وتبعث من روعاتها وهي همد
تود من السهد المبرح أنها … حواها من المأثورة البيض مرقد
ويشتاق عانيها من الأمن نهلة ً … ولو أن أطراف الأسنة مورد
بروكسل حامي عن ذمارك واثبتي … فإن لم يكن نصرٌ فمجدٌ وسؤدد
قفي وقفة الجبار في الحرب واصبري … وإن عض جنبيك الحصار المشدد
ولا تنكري صوب الحديد إذا انهمى … دراكاً كصوب المزن أو هو أجود
فذلك مهر الفتح والبأس خاطبٌ … وتلك حلاه والفخار المقلد
وما اعتز هياب البلاد بحلية ٍ … ولو أن سمطيها جمانٌ وعسجد
فمثل الذي أبليت لم يرو مبرقٌ … ومثل الذي أبليت لم يرو مبرداً
يزول بنو الدنيا جميعاً وتنقضي … أباطيلها والذكر باقٍ مخلد
خذي صحف التاريخ بيضاء واكتبي … من الفخر ما أملي عليك وأنشد
سننت لنامور الحفاظ كأنما … تبيت له الأقدار حيرى تبلد
سلامٌ على نامور والنصر محنقٌ … يكيد لها والجيش غضبان يحقد
دعاها فلم تحفل فنادى فأعرضت … فغيظ فلجت فانبرى يتهدد
رماها فطارت مهجة الدهر خيفة ً … وقرت فما تهفو ولا تتميد