قصوا الحديث عن الفريق النائي … وصفوا لمصر مصارع الشهداء
وتداركوا دين الجهاد وفسروا … للجاهلين شرائع الزعماء
إيمان أحبار وفقه أئمة … ذهبوا فضاع على يد الفقهاء
المنكرين على الحماة وفاءهم … المؤثرين تقلب الأهواء
القانعين من الحياة بباطل … ومن المطامع والمنى بهباء
النازلين على مشيئة من يرى … أن القوي أحق بالضعفاء
شغل الفوارس بالوغى وأراهمو … شغلوا ببيع خاسر وشراء
السوق قائمة ومصر بضاعة … نكبت بأخذ موجع وعطاء
زعموا الشعوب لكل ذي جبرية … أسراب ضأن أو قطيع إماء
وغلوا فظنوا الله مخلف وعده … والله فوق مزاعم الجهلاء
يئسوا من العقبى فتلك نفوسهم … تزجى جنازتها بغير رجاء
كبرت للموتى تضيء قبورهم … وبكيت بعض منازل الأحياء
يهوين في لجج الظلام كما هوت … هلكى السفين تغيب في الدأماء
أبكي على الوطن اللهيف وليتني … أدركت سؤلي أو أصبت شفائي
هدت جبابرة الغزاة كيانه … فهوى وتلك جناية السفهاء
نادوا شهيدي مصر في قبريهما … وصلوا دوي ندائكم بندائي
نادوا اللواءين اللذين طوى الردى … فالجند منتظر بغير لواء
نزل القضاء به فعوجل مصطفى … وهوى علي فارس الهيجاء
أهو الجلاء دها الكنانة فيهما … فأثاب كل مطالب بجلاء
رزءان ما بلغت بعيد مداهما … همم الخطوب ولا قوى الأرزاء
صدعا جبال المشرقين وزلزلا … أمم الزمان وساكني الغبراء
يا مصر غضي من جمالك واحجبي … سلطان حسنك عن هوى الأبناء
عبثوا بحرمته وواجب حقه … وجزوا صنيعك فيه شر جزاء
هم أخطأوا معنى المحبة وادعوا … حذق الثقات وفطنة الحكماء
أجد الحنين إليك سلوة نازع … وأرى توددهم أليم جفاء
ذهب اللذان تساقيا صفو الهوى … عف الكؤوس مهذب الندماء
لم يبق بعدهما لمضمر لوعة … من حبك المضني سوى الأقذاء
عرفا الصبابة نجدة ومروءة … والحب محمية وصدق بلاء
فتدفعا يستهلكان على الصبي … نفسين تزدادان طول بقاء
جود كجود الأنبياء ولن ترى … في العاشقين خلائق البخلاء
وإذا رزقت الصدق في أهل الهوى … فالنفس أهون قربة وفداء
عجل الرفاق فمزعتهم نية … بعد المطار بها عن العنقاء
خلقوا لو شك نوى وطول تفرق … ونظنهم خلقوا لطول ثواء
جرت الظنون الهوج خلف مطيهم … فهوين من تعب وفرط عياء
لا البرق مخبر أية ذهبوا ولا … رسل البريد تجيء بالأنباء
الدهر أخرس والبلاد صوامت … والناس بين تفجع وبكاء
والطير من غاد علي ورائح … تهذي بقرب تجاور ولقاء
أسفي عليهم يرتمي برحالهم … حادي الصباح وسائق الظلماء
مغفين من فرط اللغوب وما درت … تلك الجفون لذاذة الإغفاء
تركوا الديار تذوب شوقا بعدهم … وتضج من أسف وطول عناء
ظلمت فراعنة الخطوب قطينها … وقضى عليها الدهر شر قضاء
هي أمة أخذ الهوى بزمامها … ورمى الدعاة عيونها بغطاء
فتدافعت طوع العواصف ترتدي … هبوات كل سفيهة هوجاء
ثم انثنت صرعى تمج كلومها … ذوب لكلى وعصارة الأحشاء
ضاقت بها الدنيا فما من مذهب … والرأي أفيح واسع الأرجاء
هذا السبيل فأين مرتاد الهدى … هذا الدواء فأين نضو الداء
للحق في ظلم الأمور مسالك … بيض المعالم غير ذات خفاء
نحن الحماة الصادقين وهذه … سمة الهداة وسنة الأمناء
إن يمض أعلام الجهاد فما مضت … بيض الظبي ومساقط الأشلاء
فتقدموا يا قوم لا يقعد بكم … عند اللقاء تهيب الجبناء
مصر المضيمة تستثير إباءكم … ولهى تخاف شماتة الأعداء
ضنوا بميراث الدهور وحصنوا … شرف البنين وسؤدد الآباء
لا تجزعوا للحادثات تصيبكم … وخذوا سبيل الفتية الخنفاء
الدهر يوم مذلة ومهانة … والدهر يوم حمية وإباء
غوت النفوس فساد كل مخادع … ومضى بأمر القوم كل مراء
هل في المشارق من يردد صيحتي … أم في الكنانة من يجيب دعائي
إن الذي جعل الحياة شريعة … أوحى حقائقها إلى الشعراء