خلوا سبيل الشاعر المتدفع … وخذوا بيان العبقري المبدع
النيل يصغي في مواكب عزه … ويهز عطف الشيق المتطلع
لبيك جئت وأنطقتني حرمة … لك لم تزل مني بأكرم موضع
لك من زعيمك ما أردت وهذه … نجوى زعيم الشعر فانظر واسمع
أحببت مصر بقلبه ويقينه … فبيانه عندي وحكمته معي
وعرفتها تشكو إليه غليلها … وتطوف من يده بأطيب مشرع
حامت على إستقلالها وتوجعت … للمشفق الحاني على المتوجع
فمضى يخوض إليه كل مخوفة … غبراء تعصف بالكمي الأروع
ومشى يحدث هالكا عن هالك … فيها ويسأل مصرعا عن مصرع
نستنطق الغمرات أين مكانه … ونظل ننظر في القتام الأسفع
متطلعين نرى تقلب وجهه … في مثل إيماض البروق اللمع
ونراه يستبق المطالع صاعدا … حتى يمر من السماك بمطلع
يبغي لبانة مصر في مستشرف … صلب الجوانب بابه لم يقرع
أتت الغوائل دونها فكأنما … هي من كهوف الجن في مستودع
كانت كأحلام النيام فأصبحت … ملء العيون سنا ولما تهجع
أمذلل الأحداث أنت جعلتها … منا بمنزلة الذلول الطيع
لولا حجاك وطول باعك جاوزت … باع الرجاء ومستطاع المطمع
لما اصطفاك الشعب كنت له أبا … يرعاه في الحدث الجليل المفظع
دفع اللواء إليك لم يؤثر به … غير الأعز من الحماة الأمنع
جردت صحبك للكفاح مواضيا … خذما متى تضرب بكفك تقطع
من كل مقتحم يرى الدم حوله … فيخوضه ويكر غير مروع
أبطال مصر تداركوا آمالها … واليأس ملء فؤادها والأضلع
وعجبت للشهداء حول زعيمهم … جزع الردى ونفوسهم لم تجزع
كتب الشباب لمصر من مهجاتهم … عهد الفداء فقل لنفسك وقعي
يا مطلع العهد الجديد تحية … كسناه إن تظفر بنورك تسطع
أخرجت قومك من غياهب أزمة … لولاك لم تنجب ولم تتقشع
لولا غلوك في المطامع ما انبرى … يبغي الزيادة طامع لم يقنع
ما ليس من أدب الحياة وحقها … فضلالة أو باطل لم يشرع
أحداث دهر من يسسها تستقم … بعد الجنوح ومن يرضها تخضع
وأمور دنيا ما لوت يد طالب … لبق ولا ضاقت على متوسع
ذو الجهل يقتل بالدواء وذو النهى … يجني الشفاء من الذعاف المنقع
وأشد من ظلم الحوادث ظالم … يبكي لما صنعت وما لم تصنع
من راض في خدع السياسة نفسه … علما بها فكأنه لم يخدع
الأمر غيب والذرائع جمة … والصبر نعم العون للمتذرع
إن الذي أعطى الكنانة عهده … لهو المؤمل للمهم المفزع
ياذا القلادة إنها لك آية … من مظهر الشرف الأعز الأرفع
زادت مقامك رفعة وجزيتها … فثوت مع الجوزاء فيما تدعي
هي فوق سؤددها وغاية عزها … فلتغض في عليائها ولتخشع
ما المجد يلبسه الرجال مرصعا … كالمجد غفل التاج غير مرصع
أو ما كفاك الجود بالنفس التي … حملتها عبء الجهاد المضلع
آثرت مصر بما بذلت لأجلها … ومنحت من مال امرئ متورع
لو لم تكن قدمته متبرعا … لبلغت أقصى غاية المتبرع
جرت المنابع يستبقق سماحة … وسبقت أنت فكنت أول منبع
مالي سوى الشعر الذي أنا باذل … والشعر من خير العتاد لمن يعي
إجمع لمصر جزاك ربك صالحا … أعلام عمرو في مواكب خفرع
واسلك بها النهج السوي فإنها … مهما تكن تقبل عليك وتتبع
وإذا الأمور على الرجال تشابهت … فاهد النفوس إلى الأحب الأنفع
وزن العقول فان ظفرت براجح … فاستبق كنزك لا يكن بمضيع
وتخير الأخلاق إن أجلها … ما ليس بالواهي ولا المتصدع
إبن الحياة على أساس صالح … وتأن تأمن زلة المتسرع
وبحبل ربك ذي الجلالة فاعتصم … وإليه في كل المواطن فارجع
وخد القلادة صاغها لك شاعر … الله أورثه قلائد تبع
والاك في مصر التي لم ينتصر … لسوى قضيتها ولم يتشيع
الأمة ائتمرت بأمرك فاستعن … بصفوفها والشمل حولك فاجمع