يا فؤادي، رحم اللهُ الهوى … كان صرحًا من خيال فهوى
اسقني واشربْ على أطلالِهِ … وارو عني، طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً … وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطاً من ندامى حلم … هم تواروا أبداً، وهو انطوى
يا رياحاً، ليس يهدا عصفها … نضب الزيتُ ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا … وأفي العمر لناسٍ ما وفى
كم تقلبت على خنجره … لا الهوى مال، ولا الجفنُ غفا
وإذا القلبُ على غفرانِهِ … كلّما غار به النصلُ عفا
يا غراماً كان مني في دمي … قدراً كالموت، أو في طعمِهِ
ما قضينا ساعة في عرسِهِ … وقضينا العمر في مأتمِه
ما انتزاعي دمعةً من عينِهِ … واغتصابي بسمةً من فمِهِ
ليت شعري أين منه مهربي … أين يمضي هاربٌ من دمِه ؟
لستُ أنساكِ وقد ناديتني … بفمٍ عذبِ المناداة رقيقْ
ويد تمتد نحوي، كيدٍ … من خلال الموجِ مُدّتْ لغريقْ
آه يا قِبلة أقدامي، إذا … شكتِ الأقدامُ أشواكَ الطريقْ
وبريقاً يظمأ الساري لَهُ … أين في عينيك ذيَّاك البريقْ ؟
لستُ أنساكِ، وقد أغريتني … بالذرى الشم،فأدمنتُ الطموح
أنت روح في سمائي، وأنا … لك أعلو، فكأني محضُ روح
يا لها من قمم كنّا بها … نتلاقى، وبسرّينا نبوحْ
نستشف الغيبَ من أبراجها … ونرى الناسَ ظلالًا في السفوح
أنتِ حسن في ضحاه لم يَزَلْ … وأنا عنديَ أحزان الطَفَل
وبقايا الظل من ركب رحلْ … وخيوطُ النور من نجمٍ أفلْ
ألمح الدنيا بعيني سئم … وأرى حولي أشباحَ المللْ
راقصات فوق أشلاء الهوى … معولاتٍ فوق أجداثِ الأملْ
ذهب العمرُ هباء، فاذهبي … لم يكن وعدُك إلا شبحا
صفحةٌ قد ذهب الدهرُ بها … أثبت الحب عليها ومحا
انظري ضِحكي ورقصي فرحا … وأنا أحمل قلباً ذُبِحَا
ويراني النَّاسُ روحًا طائراً … والجوى يطحنني طحن الرحى
كنت تمثال خيالي، فهوى … المقادير أرادت لا يدي
ويحها، لم تدر ماذا حطمت … حطمت تاجي، وهدت معبدي
يا حياة اليائس المنفرد … يا يباباً ما به من أحد
يا قفاراً لافحات ما بها … من نجي، يا سكون الأبد
أين من عيني حبيبٌ ساحرٌ … فيه نبلٌ وجلالٌ وحياءْ
واثقُ الخطوةِ يمشي ملكاً … ظالمُ الحسن، شهيُّ الكبرياء
عبق السحر كأنفاس الربى … ساهم الطرف كأحلام المساء
مشرق الطلعة، في منطقه … لغة النور، وتعبير السماء
أين مني مجلس أنت به … فتنة تمت سناء وسنى
وأنا حب وقلب ودم … وفراش حائر منك دنا
ومن الشوق رسول بيننا … ونديم قدم الكأس لنا
وسقانا، فانتفضنا لحظة … لغبار آدمي مسنا
قد عرفنا صولة الجسم التي … تحكم الحيّ، وتطغي في دماه
وسمعنا صرخة في رعدها … سوط جلاد، وتعذيب إله
أمرتنا، فعصينا أمرها … وأبينا الذلّ أن يغشى الجباه
حكم الطاغي، فكنا في العصاة … وطردنا خلفَ أسوارِ الحياهْ
يا لمنفيين ضلا في الوعور … دميا بالشوك فيها والصخور
كلما تقسو الليالي، عرفا … روعة الآلام في المنفى الطهور
طردا من ذلك الحلم الكبير … للحظوظِ السود، والليل الضرير
يقبسان النور من روحيهما … كلما قد ضنت الدنيا بنور
أنت قد صيرت أمري عجبا … كثرت حولي أطيار الربى
فإذا قلت لقلبي ساعة … قم نغرد لسوى ليلى أبى
حجبتْ تأبى لعيني مأربا … غير عينيك، ولا مطلبا
أنت من أسدلها، لا تدعي … أنني أسدلت هذي الحُجُبا
ولكم صاح بي اليأس انتزعها … فيرد القدر الساخر : دعها
يا لها من خطة عمياء، لو … أنني أبصر شيئاً لم أطعها
وليَ الويل إذا لبيتُها … ولي الويلُ إذا لم أتبعها
قد حنت رأسي، ولو كل القوى … تشتري عزة نفسي، لم أبعها
يا حبيباً زرت يوماً أيكَهُ … طائر الشوق، أغنيْ ألمي
لك إبطاءُ الدلالِ المنعمِ … وتجني القادر المحتكمِ
وحنيني لك يكوي أعظمي … والثواني جمرات في دمي
وأنا مرتقب في موضعي … مرهفُ السمعِ لوقع القدم
قدم تخطو، وقلبي مشبه … موجة تخطو إلى شاطئها
أيها الظالم : بالله إلى كم … أسفح الدمع على موطئها
رحمةٌ أنت، فهل من رحمة … لغريب الروح أو ظامئها
يا شفاء الروح، روحي تشتكي … ظلمَ آسيها، إلى بارئها
أعطني حريتي اطلق يديّ … إنني أعطيتُ ما استبقيتُ شيّ
آه من قيدك أدمى معصمي … لم أبقيه، وما أبقى عليّ ؟
ما احتفاظي بعهود لم تصنها … وإلام الأسر، والدنيا لديْ
ها أنا جفت دموعي فاعفُ عنها … إنها قبلك لم تبذل لحي
وهب الطائر من عشك طارا … جفت الغدران، والثلجُ أغارا
هذه الدنيا قلوب جَمدت … خبتِ الشعلةُ، والجمر توارى
وإذا ما قبس القلب غدا … من رماد، لا تسلْهُ كيف صارا
لا تسل واذكر عذاب المصطلي … وهو يذكيه فلا يقبس نارا
لا رعى الله مساء قاسياً … قد أراني كلّ أحلامي سدى
وأراني قلبَ من أعبده … ساخراً من مدمعي سخر العدا
ليت شعري، أي أحداث جـــر … ت أنزلت روحك سجناً موصدا
صدئت روحك في غيهبها … وكذا الأرواح يعلوها الصدا
قد رأيت الكون قبراً ضيقاً … خيّم اليأسُ عليه والسكوت
ورأت عيني أكاذيب الهوى … واهياتٍ كخيوطِ العنكبوت
كنت ترثي لي، وتدري ألمي … لو رثى للدمع تمثال صموت
عند أقدامك دنيا تنتهي … وعلى بابك آمالٌ تموت
كنت تدعوني طفلا، كلما … ثار حبي، وتندت مقلي
ولك الحق، لقد عاش الهوى … فيّ طفلا، ونما لم يعقلِ
ورأى الطعنة إذ صوبتها … فمشت مجنونة للمقتل
رمت الطفلَ، فأدمت قلبهُ … وأصابت كبرياء الرجل
قلت للنفس وقد جزنا الوصيدا … عجلي لا ينفع الحزم وئيدا
ودعي الهيكل شبت نارُه … تأكل الركّعَ فيه والسجودا
يتمنى لي وفائي عودةً … والهوى المجروح يأبى أن نعودا
لي نحو اللهب الذاكي به … لفتة العود إذا صار وقودا
لست أنسى أبداً … ساعة في العمرِ
تحت ريحٍ صفقتْ … لارتقاصِ المطرِ
نوّحتْ للذكر … وشكت للقمرِ
وإذاما طربت … عربدت في الشجر
هاك ما قد صبت الريـــــ … ـــح بأذن الشاعر
وهي تغري القلب إغـرا … ء الفصيـح الفاجر :
” أيها الشاعر تغفو … تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التام جرحٌ … جد بالتذكار جرحُ
فتعلم كيف تنسى … وتعلم كيف تمحو
أو كـل الحب في رأ … يـك غفـرانٌ وصفح ؟
هاك فانظر عدد الرمـــــــ … ـــــل قلوباً ونساء
فتخير ما تشاء … ذهب العمر هباء
ضل في الأرض الذي … ينشد أبناء السماء
أي روحانية تعــــــ … ــــصر من طين وماء؟ “
أيها الريح أجل، لكنما هي … حبي وتعلاتي ويأسي
هي في الغيب لقلبي خلقت … أشرقت لي قبل أن تشرق شمسي
وعلى موعدها أطبقت عيني … وعلى تذكارها وسدت رأسي
يا لها من صيحة ما بعثت … عنده غير أليم الذكر
أرقت في جنبه، فاستيقظت … كبقايا خنجر منكسر
لمع النهر وناداه له … فمضى منحدرا للنهر
ناضب الزاد، وما من سفر … دون زاد غير هذا السفر
يا حبيبي كل شيء بقضاء … ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا … ذات يوم بعدما عزّ اللقاء
فإذا أنكر خلٌّ خلَّه … وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كلٌّ إلى غايته … لا تقل شئنا،وقل لي الحظ شاء
يا مغني الخلد، ضيعت العمر … في أناشيد تغنى للبشر
ليس في الأحياء من يسمعنا … ما لنا لسنا نغني للحجر
للجمادات التي ليست تعي … والرميمات البوالي في الحفر
غنها، سوف تراها انتفضت … ترحم الشادي وتبكي للوتر
يا نداء كلما أرسلته … رد مقهوراً وبالحظ ارتطم
وهتافاً من أغاريد المنى … عاد لي وهو نواح وندم
رب تمثال جمال وسنا … لاح لي والعيش شجو وظلم
ارتمى اللحن عليه جاثياً … ليس يدري أنه حسن أصم
هدأ الليل ولا قلب له … أيها الساهر يدري حيرتك
أيها الشاعر خذ قيثارتك … غنّ أشجانك واسكب دمعتك
رب لحن رقص النجم له … وغزا السحب وبالنجم فتك
غنّهِ، حتى ترى سترَ الدجى … طلع الفجرُ عليه فانهتك
وإذا ما زهرات ذعرت … ورأيت الرعب يغشى قلبها
فترفق واتئد واعزف لها … من رقيق اللحن، وامسح رعبها
ربما نامت على مهد الأسى … وبكت مستصرخات ربها
أيها الشاعر، كم من زهرة … عوقبت، لم تدر يوماً ذنبها