همّ ألم به مع الظلماء … فنأى بمقلته عن الاغفاء
نفس أقام الحزن بين ضلوعه … والحزن نار غير ذات ضياء
يرعى نجوم الليل ليس به هوى … ويخاله كلفا بهنّ الرائي
في قلبه نار (الخليل) وانما … في وجنتيه أدمع (الخنساء)
قد عضة اليأس الشديد بنابه … في نفسه والجوع في الاحشاء
يبكي بكاء الطفل فارق أمه … ما حيلة المحزون غير بكاء
فأقام حلس الدار وهو كأنه … لخلو تلك الدار_ في بيداء
حيران لا يدري أيقتل نفسه … عمدا فيخلص من أذى الدنياء
أم يستمر على الغضاضة والقذى … والعيش لا يحلو مع الضراء
طرد الكرى وأقام يشكو ليله … يا ليل طلت وطال فيك عنائي
يا ليل قد أغريت جسمي بالضنا … حتى ليؤلم فقده أعضائي
ورميتني يا ليل بالهم الذي … يفري الحشا، والهم أعسر داء
يا ليل مالك لا ترق لحالتي … أتراك والأيام من أعدائي؟
يا ليل حسبي ما لقيت من الشقا … رحماك لست بصخرة صماء
بن يا ظلام عن العيون فربّما … طلع الصباح وكان فيه عزائي
وارحمتا للبائسين فانهم … موتى وتحسبهم من الاحياء
إني وجدت حظوظهم مسودّة … فكأنما قدت من الظلماء
ابدأ يسر الزمان ومالهم … حظ كغيرهم من السرّاء
ما في أكفهم من الدنيا سوى … ان يكثروا الأحلام بالنعماء
تدنو بهم آمالهم نحو الهنا … هيهات يدنو بالخيال النائي
ابطر الأنام من السرور وعندهم … ان السرور مرادف العنقاء
إني لاحزن ان تكون نفوسهم … غرض الخطوب وعرضة الارزاء
أنا ما وقفت لكي اشبب بالطلا … مالي وللتشبب بالصهباء؟
لا تسألوني المدح أو وصف الدمى … إني نبذت سفاسف الشعراء
باعوا لأجل المال ماء حيائهم … مدحا وبت أصون ماء حيائي
لم يفهموا ما الشعر؛ إلا انه … قد بات واسطة إلى الاثراء
فلذاك ما لاقيت غير مشبب … بالغانيات وطالب لعطاء
ضاقت به الدنيا الرحيبة فانثنى … بالشعر يستجدي بني حواء
شقي القريض بهم وما سعدوا به … لولاهم اضحى من السعداء
نادوا علينا بالمحبة والهوى … وصدورهم طبعت على البغضاء
ألفوا الرياء فصار من عادتهم … لعن المهيمن شخص كل مرائي
إن يغضبوا مما أقول فطالما … كره الأديب جماعة الغوغاء
أو ينكروا أدبي فلا تتعجبوا … فالرمد طلوع ذكاء
أو كلما نصر الحقيقة فاضل … قامت عليه قيامة السفهاء
أنا ما وقفت اليوم فيكم موقفي … إلا لأنذب حالة التعساء
عليّ احرّك بالقريض قلوبكم … ان القلوب مواطن الاهواء
لهفي على المحتاج بين ربوعكم … يمسي و يصبح وهو قيد شقاء
امسى سواء ليله وصباحه … شتان بين الصبح والامساء
قطع القنوط عليه خيط رجائه … والمرء لا يحيا بغير رجاء
لهفي ولو أجدى التعيس تلهفي … لسفكت دمعي عنده ودمائي
قل للغني المستعز بماله … مهلا لقد اسرفت في الخيلاء
جبل الفقير أخوك من طين ومن … ماء، ومن طين جبلت وماء
فمن القساوة ان تكون منعما … ويكون رهن مصائب وبلاء
وتظل ترفل بالحرير أمامه … في حين قد امسى بغير كساء
اتضن بالدينار في اسعافه … وتجود بالآلاف في الفحشاء
انصر أخاك فان فعلت كفيته … ذلّ السؤال ومنة البخلاء
أذوي اليسار وما اليسار بنافع … إن لم يكن أهلوه أهل سخاء
كم ذا الجحود ومالكم رهن البلا … وبم الغرور وكلكم لفناء؟
ان الضعيف بحاجة لنضاركم … لا تقعدوا عن نصرة الضعفاء
انا لا اذكّر منكم أهل الندى … ليس الصحيح بحاجة لدواء
ان كانت الفقراء لا تجزيكم … فاللّه يجزيكم عن الفقراء