أما وَالهَوى يَوْمَ اسْتَقَلَّ فَرِيقُها … لقدْ حمَّلتْنِي لوعة ً لا أُطِيقُها
تَعَجَّبُ مِنْ شَوْقِي وَما طالَ نأْيُها … وَغَيْرُ حَبيبِ النَّفْسِ مَنْ لا يَشُوقُها
فلا شفَّها ما شفَّنِي يومَ أعرَضَتْ … صدُوداً وزُمَّتْ للترحُّلِ نُوقُها
أهَجْراً وبيناً شدَّ ما ضمنَ الجَوى … لقلبيَ دانِي صبوة ٍ سحيقُها
وَكُنْتُ إذا ما اشْتَقْتُ عَوَّلْتُ فِي البُكا … علَى لُجَّة ٍ إنسانُ عينِي غريقُها
فلمْ يَبْقَ مِنْ ذا الدَّمعِ إلاَّ نشيجُهُ … وَمِنْ كَبِدِ المُشْتاقِ إلاَّ خُفُوقُها
فيا ليتنِي أبْقى ليَ الهجْرُ عبْرَة ً … فأقْضِي بِها حَقَّ النَّوَى وَأُرِيقُها
وإنِّي لآبى البِرَّ مِنْ وصْلِ خُلَّة ٍ … ويعجِبُنِي مِنْ حُبِّ أخْرى عُقُوقُها
وأعْرِضُ عنْ محضَ المودَّة ِ باذِلٍ … وقدْ عزَّنِي ممنْ أودُّ مذِيقُها
كَذلِكَ هَمِّي والنُّفُوسُ يَقُودُها … هواها إلى أوطارِها ويَسُوقُها
فلَوْ سألَتْ ذاتُ الوِشاحَينِ شيمَتِي … لخبَّرَها عنِّي اليقينَ صدُوقها
وَمَا نَكِرَتْ مِنْ حَادِثَاتٍ بَرَيْنَنِي … وقَدْ عَلقَتْ قَبْلِي الرِّجالَ عُلوقُها
فإمَّا تَريْنِي يا ابنة َ القومِ ناحِلاً … فَأعْلى أنايِيبِ الرِّماحِ دَقِيقُها
وكُلُّ سُيُوفِ الهندِ للقطْعِ آلة ٌ … وأقطعها يوم الجلاد رقيقها
وما خانَنِي مِنْ همَّة ٍ تأْمُلُ العُلى … سوى أنَّ أسْبابَ القضاءِ تعُوقُها
سأجْعَلُ هَمِّي فِي الشَّدائِدِ هِمَّتِي … فكمْ كربَة ٍ بالهمِّ فرَّجَ ضِيقُها
وَخَرْقٍ كَأنَّ اليَمَّ مَوْجُ سَرابِهِ … تَرَامَتْ بِنا أجْوازُهُ وخُرُوقُها
كأنَّا علَى سُفْنٍ مِنَ العِيسِ فوقَهُ … مجادِيفُها أيدِي المطيِّ وَسُوقُها
نُرَجِّي الحَيا مِنْ رَاحَة ِ ابنِ مُحَمَّدٍ … وأيُّ سَماءٍ لا تُشامُ بُرُوقُها
فمَا نُوِّخَتْ حتى أسَوْنا بجودِهِ … جِراحَ الخُطُوبِ المِنُهَراتِ فُتُوقُها
وإنَّ بُلُوغَ الوَفْدِ ساحَة َ مِثْلِه … يَدٌ لِلْمَطَايا لا تُؤدَّى حُقُوقُها
علوْنَ بآفاقِ البلادِ يحدْنَ عنْ … مُلوكِ بَنِي الدُّنْيَا إلى مَنْ يَفُوقُها
إلى مَلِكٍ لَوْ أنَّ نُورَ جَبِينهِ … لَدَى الشَّمْسِ لَمْ يُعْدَمْ بِلَيْلٍ شُرُوقُها
هُمامٌ إذا ما همَّ سَلَّ اعتزامَهُ … كما سُلَّ ماضِي الشَّفْرَتينِ ذليقُها
يَطُولُ إذا غالَ الذَّوابِلَ قَصْرُها … ويَمْضِي إذا أعْيا السِّهامَ مُرُوقُها
نَهى سَيْفُهُ الأعْداءَ حَتَّى تَناذَرَتْ … ووُقِّرَ مِنْ بعدِ الجماحِ نُزُوقُها
وَما يُتَحامَى اللَّيثُ لَوْلا صِيالُهُ … وَلا تُتَوَقَّى النَّارُ لَوْلا حَرِيقُها
وقى الله فيكَ الدين والبأْسَ والندى … عيونَ العدى ما جاوَرَ العينَ مُوقُها
عَزَفْتَ عَنِ الدُّنْيا فَلَوْ أنَّ مُلْكَها … لِمُلْكِكَ بَعْضٌ ما اطَّباكَ أنِيقُها
خُشُوعٌ وإيمانٌ وعدْلٌ ورَأْفَة ٌ … فَقَدْ حُقَّ بالنَّعْمَاءِ مِنْكَ حَقِيقُها
عَلَوْتَ فلَمْ تبْعُدْ عَلى طَالِبٍ نَدى ً … كمثمرة ٍ يحمِي جناها بُسُوقُها
فَلا تَعْدَمِ الآمالُ رَبْعَكَ موْئِلاً … بِهِ فُكَّ عانِيها وعَزَّ طَلِيقُها
سَبَقْتَ إلى غاياتِ كُلِّ خَفِيَّة ٍ … وَما يُدْرِكُ الغاياتِ إلاَّ سَبُوقُها
ولَمَّا أغَرْتَ الباتِراتِ مُخَنْدِقاً … تَوَجَّعَ ماضِيها وَسِيءً ذَلُوقُها
ويُغْنِيكِ عنْ حفْرِ الخنادِقِ مثلُها … مِن الضَّرْبِ إمَّا قامَ لِلْحَرْبِ سُوقُها
ولَكِنَّها فِي مَذْهَبِ الحَزْمِ سِنَّة ٌ … يَفُلُّ بِها كَيْدَ العَدُوِّ صَدِيقُها
لنا كلُّ يومٍ منكَ عيدٌ مُجدَّدٌ … صبوحُ التَّهانِي عندَهُ وغَبُوقُها
فنحنُ بهِ مِنْ فَيضِ سيبِكَ في غِنى ً … وفي نشواتٍ لمْ يُحرَّمْ رحيقُها
وَقَفْتُ القَوافِي فِي ذَراكَ فَلَمْ يَكُنْ … سِواكَ مِنَ الأمْلاكِ مَلْكٌ يَرُوقُها
مُعَطَّلَة ً إلاَّ لَدَيْكَ حِياضُها … وَمَهْجُورَة ً إلاَّ إلَيْكَ طَرِيقُها
وَمَالِي لا أُهْدِي الثَّناءَ لأهْلِهِ … وَلِي مَنْطِقٌ حُلْوُ المَعاني رَشِيقُها
وإنْ تَكُ أصْنافُ القَلائدِ جَمَّة ً … فما يتساوى دُرُّها وعقِيقُها