ما لي أَرى القَلبَ في عَينَيكِ يَلتَهِبُ … أَلَيسَ لِلنّارِ يا أُختَ الشَقا سَبَبُ
بَعضُ القُلوبِ ثِمارٌ ما يَزالُ بِها … عَرفُ الجنانِ وَلكِن بَعضُها حَطَبُ
ذكرتُ لَيلَةَ أَمسٍ فَاِختَلَجتُ لَها … وَاللَيلُ سِكرانُ مِمّا سَحَّتِ السُحُبُ
ذكرَتُها غَيرَ أَنَّ الشَكَّ خالَجَني … إِنَّ النِساءَ إِذا راوَغنَ لا عَجَبُ
فَهُنَّ من حَيَّة الفِردَوسِ أَمزِجَةٌ … يَثورُ فيهِنَّ من أَعقابِها عَصبُ
أَخافُ في اللَيلِ من طَيفٍ يَسيلُ عَلى … مَوجاتِ عَينَيكِ حيناً ثُمَّ يَغتَرِبُ
طيفٌ مِنَ الشَهوَةِ الحَمراءِ تَغزِلُه … حمرُ اللَيالي وَفي أَعماقِهِ العَطبُ
وَوَجهُكِ الشاحِب الجَذّابُ تُرهِبُني … أَلوانُهُ يَتَشَهّى فَوقُها اللَهبُ
ما زِلتِ تَغتَصِبينَ اللَيلَ في جَهَد … حَتّى تَجَمَّدَ في أَجفانِكِ التَعَبُ
وَما السَوادُ الَّذي في محجريكِ بَدا … إِلّا بَقايا من الأَحشاءِ تُغتَصَبُ
وَحَقِّ طِفلِكِ لَم أَشمُت بِإِمرَأَةٍ … زَلَّت بِها قَدَم أَو غَرَّها ذَهَبُ
فَربّ أَنثى يخون البُؤسُ هَيبَتَها … وَالبُؤسُ أَعمى فَتَعيي ثمَّ تَنقَلِبُ
لي مُهجَةٌ كَدُموعِ الفَجرِ صافِيَة … نَقاوَتي وَالتُقى أُمٌّ لَها وَأَبُ
فَكَيفَ أَختَلِس الحَقَّ الَّذي اِختَلَسوا … وَكَيفَ أَذأبُ عَن لُؤمٍ كَما ذَئَبوا
لي ذِكرياتٌ كَأَخلاقي تُؤَدِّبُني … فَلا يُخالِجُني رَوغ وَلا كَذِبُ
أَبقى لِيَ الأَمسُ مِن غَلواءِ عِفَّتَها … وَلم يَزَل في دَمي مِن روحِها نَسَبُ
وَحَقِّ روحِكِ يا غلوا وَلَو غَدَرت … بيَ اللَيالي وَأَصمَت قَلبِيَ النُوَبُ
إِن كُنتُ في سَكرَةٍ أَو كُنتُ في دَعرٍ … وَمَرَّ طَيفُك مَرَّ الطَهرُ وَالأَدَبُ
وَأَنتِ يا أُمَّ طِفلٍ في تَلَفُّتِهِ … سُؤلُ العَفافِ وَفي أَجفانِهِ لعبُ
صُبّي الخُمورَ فَهذا العَصرُ عَصرُ طَلا … أَما السَكارى فَهُم أَبناؤُهُ النُجُبُ
لا تَقنطي إِن رَأَيتِ الكَأسَ فارِغَة … يَوماً فَفي كلّ عامٍ يَنضُجُ العِنبُ
صُبّي الخُمورَ وَلا تُبقي عَلى مُهجٍ … مَوج الشَبابِ عَلى رِجليكِ يَصطخبُ
أَما أَنا وَلَو اِستَسلَمتُ أَمسِ إِلى … خَمرِ اللَيالي فَقَلبي لَيسَ يَنشَعِبُ
قَد أَشرَبُ الخَمرَ لكِن لا أُدنِّسُها … وَأَقرَبُ الإِثمَ لكِن لَستُ أَرتَكِبُ
وَفي غَدٍ إِذ تُنيرُ الطفل ميعَته … وَتهرمينَ وَيَبقى ذلِكَ الخَشَبُ
قولي لَهُ جِئتَ في عَصر الخُمورِ فَلا … تَشرَب سِوى الخَمر وَاِشحَب مِثلَما شَحَبوا
قولي لَهُ هذِهِ الأَيّامُ مَهزلَة … وَلَيسَ إِلّا لمن ينشى بِها الغَلبُ
قولي لَهُ عَفَّةُ الأَجسادِ قَد ذَهَبَت … مَع الجُدودِ الأَعِفّاءِ الأُلى ذَهَبوا
قولي لِطِفلِكِ ما تَستَصوبينَ غَداً … فَكُلُّ أَمرٍ لَهُ في حينِهِ خُطبُ
وَلكِنِ اليَومَ صُبّي الخَمرَ وَاِنتَخِبي … مِن المَلَذّاتِ ما الآثامُ تَنتَخِبُ
وَلا تَخافي عَذولاً فَالعَذول مَضى … وَالعَصر سَكران يا أَخت الشَقا تَعِبُ
طَريقه الشك أَنّى سار يملكه … وَحلمهُ الشهَوات الحُمرُ وَالقُربُ