لِطَلْعَتَ حَرْبٍ فِي مَجَالِ اجْتِهَادِهِ … مَفَاخِرُ يَحْرَى ذِكْرُهَا أَنْ يُرَدَّدَا
فَقَدْ كَانَ فِي إِقْدَامِهِ وَثَبَاتِهِ … بِأَوْفَى المَعَانِي قُدْوَةً لِمَنِ اقْتَدَى
وَفِي سِيَرِ الغُرِّ المَيَامِين كَمْ جَلَتْ … لَنَا المثُلُ العُلْيَا مَنَائِرَ لِلهُدَى
بِنَفْسِ عِصَامٍ رَامَ عِزّاً وَسُؤدَداً … فَأَدْرَكَ عِزّاً لاَ يُرَامُ وَسُؤْدَدَا
وَأَثْرَى مِنَ المَالِ المُؤَثَّلِ بِالنُّهَى … وَأَثْرَى مِنَ الْحَمْدِ المُؤَثَّلِ بِالنَّدَى
أَتَى آخِرَ الأَقرَانِ فِي حَلْبَةِ العُلَى … فَجَلَّى وَلَمْ يُلْحَقْ إِلَى آخِرِ المدَى
كَبِيرُ المُنَى هَيْهَاتَ أَنْ يَبْلُغَ المُنَى … إِذَا طَاشَ فِي آرَائِهِ وَتَرَدَّدَا
وَمَنْ لَمْ يُعِنْ بِالجِدِّ عَالِيَ جَدِّهِ … فَيَقْظَتُهُ حُلْمٌ وَعِيشَتُهُ سُدَى
بِهَذَا تَسَامى كُلُّ مَنْ رَاضَ نَفْسَهُ … وَقَوَّمَ مِنْ أَخْلاَقِهِ مَا تَأَوَّدَا
فَتىً عُلِّقَ الآدَابَ فِي مَيْعَةِ الصِّبَا … وَقَدْ قَلَّ مَا تُجْدِي وَقَدْ حَلَّ مَا شَدَا
فَلَمْ يُغْنِهِ عِلْمٌ بِسُوقِ جَهَالَةٍ … وَلَمْ يُرْضِهِ رِزْقٌ يَحِقُّ فَيُجْتَدَى
وَآثَرَ أَنْ يَخْتَطَّ فِي العَيْشِ خُطَّةً … أَسَدَّ وَأَمْلَى أَنْ تُحَقِّقَ مَقْصِدَا
يُجَشَّمُ فَيهَا مَا يُجَشَّم عَالِماً … بِأَنَّ طَرِيقَ الفَوْزِ لَيْسَ ممَهَّدَا
فَمَاذا اقْتضته حَاله مِن تجَددٍ … وَقدْ يَقْتَضِي عَزْمُ الأُمورِ التَّجَدُّادَ
تَوَلَّى الأَبِيُّ الحرُّ خِدْمَةَ غيْرِهِ … وَلمْ يَكُ جَبَّاراً وَلاَ متمَرِّدَا
يحَاوِلُ مَا يَبْغِي وَيَصْفو عَلَى القذى … إِلَى أَمَدٍ وَاليَوْمُ يَجْلُو له الغدَا
وَمَن كَافحَ الدُّنْيَا وَقَدْ صَحَّ عَزْمُهُ … تَعَوَّدَ فِيهَا غَيْرَ مَا قَدْ تَعَوَّدا
أَيَسْتَقْبِلُ الغُصْنُ الرَّبِيعَ وَثَوْبُهُ … قَشِيبُ الحِلَى إِلاَّ إِذَا مَا تَجَرَّدَا
فَمَا زَالَ بِالأَيَّامِ حَتَّى تَكَشَّفَتْ … لَهُ عَنْ ثَنَايَا لِلصُّعُودِ فَأَصْعَدَا
كِلا مَوْقِفَيْهِ مُونِقٌ وَمُشْرِّفٌ … فَلِلَّهِ مَا أَمْسَى وَاللهِ مَا غَدَا.
أَصَابَ مِنَ الإِيسَارِ مَا شَاءَ فَانْثَنَى … إِلى مَطْلَبٍ فِي المَجْدِ أَسْنَى وَأَبْعَدَا
يُريدُ حَيَاةً لِلبِلاَدِ جَدِيدَةً … تَرُدُّ عَلَى القوْمِ الثرَاءَ المبَددَا
فمَا كل حَتى وَجَّهَ القَوْمَ وِجْهَةً … مُوَفَّقَةً أَجْدَى عَلَيْهِمْ وَأَرْشَدَا
وَهَلْ كانَ شَعْبٌ سَيِّداً فِي دِيَارِهِ … إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ سَيِّدَا
لِمصْرَ سُيُوفٌ في حَديث جهَادهَا … حَمَتْ حَوْضَهَا منْ أَنْ يَظَلَّ مُهَدَّدَا
وَطَلعَتُ حَرْبٍ المُرَادَاة دُونَهَا … أَبَى أَنْ يُذَادَ الورْدُ عَنْهَا فَأَوْرَدَا
أَجَلْ كَانَ سَيْفاً للحسَاب مُجَرَّداً … وَلَمْ يَكُ سَيْفاً للضِّرَاب مُجَرَّدَا
يُنَافحُ عَنْ أَرْزَاق مصْرَ لأَهْلهَا … وَمَنْ صَانَ حَقّاً مَا تَعَدَّى وَلاَ اعْتَدَى
وَمَا يَمْنَعُ الجَالينَ نَفْعاً مُحَلَّلاً … وَلَكَّنهُ يَأْبَى عَلَى مَنْ تَزيدا
لمصْرَ بَنَى مَا عَزَّ قَبْلاً بنَاؤُهُ … عَلَى مُقْدمٍ جَلدٍ فَأَعْلَى وَمَدَّدَا
بَنَى بَنْكَهَا منْ مَالهَا برجَالهَا … وَهَيَّأَ صَرْحاً بَعْدَ صَرْحٍ فَشَيَّدَا
مَعَالمُ قَامَتْ وَاحداً تِلوَ وَاحدٍ … فَكَانَتْ يَداً مَيْمُونَةً أَعْقَبَتْ يَدَا
بهَا منْ جَنَى مصْرٍ وَمنْ نَسْج كَفِّهَا … كُسَاهَا وَلَمْ يَمْدُدْ غَريبٌ لَها يَدَا
وَسَيَّرَ فِي البَحْر المُحيط سَفينَهَا … فَمَا كَانَ أَحْلى عَوْدَهُنَّ وَأَحْمَدَا
وَأَطْلَقَ فِي الجَوِّ السَّحيق نسُورَهَا … تَجُوبُ فَضَاءَ الله مَثْنَى وَمَوْحَدَا
وَأَنْشَأَ دُوراً للصِّنَاعَات جَمَّةً … بهَا خَيْرُ عَهْدٍ للصِّنَاعَات جُدِّدَا
وَكَمْ في سَبيل العلمِ عَبَّأَ بَعْثَةً … وَكَمْ في سَبيل الفَنِّ أَنْشَأَ مَعْهَدَا
يُيَسِّرُ أَرْزَاقاً وَيَرْعَى مَرَافقاً … زَكَتْ مَصْدَراً للعَاملينَ وَمَوْرِدَا
وَيُولي بُيُوتَ العلمِ منْ نَفَحَاتهِ … ذَرَائعَ إِصْلاَحٍ لمَا الفَقْرُ أَفْسَدَا
وَيَذْكُرُ للآدَاب عَهْداً فَمَا يَني … مُعيناً لمَنْ يُعْنَى بهِنَّ وَمُنْجدَا
مَآثرُ مِا دَامَتْ سَتُثْني بمَا بهَا … عَلَى فَضْلهِ الأَوْفَى وَتُزْري المُفَنِّدَا
فَلَمَّا دَعَاهُ اللهُ بَعْدَ جهَادهِ … إِلَى الرَّاحَةِ الكًبْرَى وَقَدْ بَاتَ مُجْهَدَا
تَوَارَى وَملْءُ النَّاظرَيْنَ شُعَاعُهُ … فَرَاعَ مَغيباً مثْلَ مَا رَاعَ مَشْهدَا
ذَخْيرَةُ قَوْمٍ فُوجئُوا بضِيَاعهَا … فَمَا دَفَعَ الحرْصُ القَضَاءَ وَمَا فَدَى
فَأَيُّ أَديبٍ اَلْمَعيٍّ طَوَى الثَّرَى … وَأَيُّ اجْتمَاعيٍّ حَكيمٍ تَغَمَّدَ
وَأَيُّ اقْتصَاديٍّ رَمَاهُ وَلَمْ يَبِنْ … لَهُ مَقْتَلٌ رَامٍ خَفيٌّ فَأَقْصَدَا
فَقيدٌ عَلَى قَدْرِ المَعَالي تَعَدَّدَتْ … مَآتمُهُوَالرزْءُ فيهِ تَعَدَّدَا
فَفي مِصْرَ بَلْ فِي الشَّرْقِ أَحْزَانُ أُسْرَةٍ … عَلَى خَيْرِ أنْ لَمَّ الشَّتَاتَ وَوَحَّدَا
تَوَلَّى وَمَا خلْنَاهُ يُحْصَى زَمَانُهُ … عَلَيْه وَمَا خلْنَا امْرَءاً منْهُ أَسْعَدَا
لَهُ منْ خُلُودِ الذِّكْرِ عُمْرٌ وَلَيْتَ مَنْ … يُرَجَّى جَنَاهُ كَانَ بالعُمْرِ أُخْلدَ
فَيَا آلَهُ هَلْ يُوحَشُ الدَّارِ أُنْسُهُ … وَقَدْ تَرَكَ الذِّكْرَ الجَميلَ المُؤَبَّدَا
ليَمْنَحْكُمُ اللهُ العَزَاءَ وَخَيْرُهُ … تَعَهُّدكُمْ منْ مَجْدِهِ مَا تَعَهَّدَا
وَيَا مَنْ تَوَلَّى بَعْدَهُ رَعْيَ مَا بَنَى … لَقَدْ كُنْتَ خَيْراً حَافِظاً وَموَطِّدَا
مَكَانُكَ فيمَنْ أَنْجَبَ العَصرُ بَاذخ … وَمَا زلْتَ في أَعْلاَمه الشُّمِّ مفْرَدَا
إِذَا مُنَيتْ عَلياءُ مصْرَ بفَرْقَد … تَغَيَّبَ عَنْهَا أَطْلَعَ اللهُ فَرْقَدَا