اِن سالَ مِن غَرب العُيونِ بُحور … فَالدَهرُ باغ وَالزَمان غَدور
فَلِكُلِّ عَين حَق مدرار الدِما … وَلكل قَلب لَوعَة وَثُبور
سَترالسنا وَتحجبت شَمسُ الضُحى … وَتَغيبت بَعد الشُروق بدور
وَمَضى الَّذي أَهوى وَجرعني الاِسا … وَغَدَت بِقَلبي جذوة وَسَعير
يا لَيتَهُ لِما نَوى عهد النَوى … وافى العُيون مِنَ الظَلام نَذير
ناهيكَ ما فَعَلت بِماء حَشاشَتي … نار لها بَينَ الضُلوعِ زَفير
لَوبث حزني في الوَرى لَم يَلتَفِت … لِمُصاب قيس وَالمُصاب كَثير
طافَت بِشَهر الصَومِ كاساتِ الرَدى … سِحرا وَأَكوابُ الدُموعِ تَدور
فَتَناوَلَت مِنها اِبنَتي فَتَغَيَّرَت … وَجناتُ خد شانِها التَغيير
فَذَوَت أَزاهيرُ الحَياةِ بِرَوضِها … وَاِنقَدَّ مِنها مائِس وَنَضير
لَبِسَت ثِيابَ السَقمِ في صغر وَقَد … ذاقَت شَرابَ المَوتِ وَهُوَ مَرير
جاءَ الطَبيبُ ضَحى وَبشر بِالشَفا … اِنَّ الطَبيبَ بِطِبِّهِ مَغرور
وَصف التَجرع وَهُوَ يَزعُم إِنَّهُ … بِالبِرء مِن كُل السِقامِ بَشير
فَتَنَفَسَّتُ لِلحُزنِ قائِلَة لَهُ … عَجِّل بِبِرئي حَيثُ أَنتَ خَبير
وَاِحمِ شَبابي اِن والِدَتي غَدَت … ثَكلى يَثير لَها الجَوى وَتَشير
وَاِرأَف بِعَين حَرمت طيب الكَرى … تَشكو السُهاد وَفي الجُفونِ فُتور
لِما رَأَت يَأسَ الطَبيب وَعَجزِهِ … قالَت وَدَمع المُقلَتَين غَزير
أَماه قَد كل الطَبيب وَفاتَني … مِمّا أؤمل في الحَياةِ نَصير
لَو جاءَ عراف اليَمامَةِ يَبتَغي … برئى لِرد الطَرف وَهُوَ حَسير
يا رَوعَ روحي حلها نَزع الضَنا … عَمّا قَليل وَرقها سَتَطير
أَماه قَد عَز اللُقا وَفي غَد … سَتَرينَ نَعشى كَالعَروسِ يَسير
وَسَيَنتَهي المَسعى اِلى اللَحدِ الَّذي … هُوَ مَنزِلي وَلَهُ الجُموعُ تَصير
قولى لِرب اللَحد رفقا بِاِبنَتي … جاءَت عَروسا ساقَها التَقدير
وَتجلدي بِاِزاء لَحدى بُرهة … فَتَراكَ روح راعِها المَقدور
أَماه قَد سَلَفت لَنا أُمنِيَة … يا حُسنِها لَو ساقَها التَيسير
كانَت كَأَحلامٌ مَضَت وَتَخلفت … مُذ بانَ يَومُ البينِ وَهو عَسير
عودى اِلى رُبعِ خَلا وَمَآثِر … قَد خَلَفَت عَنّي لَها تَأثير
صونى جِهازَ العُرسِ تِذكارا قَلى … قَد كانَ مِنهُ اِلى الزَفافِ سُرور
جَرَت مَصائِبُ فَرَّقَتى لَكَ بعدذا … لَبس السَواد وَنفذ المَسطور
وَالقَبرُ صارَ لِغُصن قَدى رَوضَة … ريحانُها عِند المزار زُهور
أَماهُ لا تَنسى بِحق بنوتى … قَبري لَئِلّا يَحزن المَقبور
فَأَحيَيتُها وَالدَمعُ يَحبِسُ مَنطقى … والدهر من بعد الجوار يجور
بِنتاه يا كَبدي وَلَوعَة مُهجَتي … قَد زالَ صَفو شانِه التَكدير
لا نوصى ثَكلى قَد أَذابَ وَتينُها … حُزن عَلَيكَ وَحَسرَة وَزَفير
قَسما بِغض نَواظِر وَتَلهفى … مُذ غابَ نسان وَفارِق نور
وَبِقُبلَتي ثَغرا تَقضى نَحبه … فَحَرَمت طيب شَذاهُ وَهُوَ عَطير
وَاللَهُ لا أَسلو التِلاوَةِ وَالدَعا … ما غَرَّدَت فَوقَ الغُصونُ طُيور
كَلا وَلا أَنسى زَفير توجعي … وَالقَد مِنكَ لَدى الثَرى مَدثور
اِنى أَلفت الحُزنَ حَتّى إِنَّني … لَو غابَ عَنّي ساءَني التَأخير
قَد كُنتُ لا أَرضى التَباعُد بُرهَة … كَيفَ التَصَبُّر وَالبِعادُ دُهور
أَبكيكَ حَتّى نَلتَقي في جنة … بِرِياض خُلد زينَتُها الحور
اِن قيلَ عائِشَة أَقولُ لَقَد فَنى … عيشى وَصَبري وَالاِله خَبير
وَلَهى عَلى تَوحيدِهِ الحُسنِ الَّتي … قَد غابَ بَدر جَمالِها المَستور
قَلبي وَجِفني وَاللِسانُ وَخالِقي … راض وَباكَ شاكِر وَغَفور
مَتعت بِالرِضوان في خُلد الرِضا … ما اِزينت لَكَ غُرفَة وَقُصور
وَسَمِعتُ قَولَ الحَقِّ لِلقَومِ اِدخُلوا … دارَ السَلامِ فَسَعيُكُم مَشكور
هذا النَعيمُ بِهِ الاِحبَّة تَلتَقي … لا عَيشَ اِلّا عيشه المَبرور
وَلَكَ الهَناءُ فَصدق تاريخي بَدا … تَوحيدُهُ زَفت وَمَعَها الحور