أيّ نَعِيمٍ في الصِّبَا والمُقْتَرَحْ … وشغلُ كفَّيّ بكوبٍ وقَدَحْ
فلا تلمني إنَّني مُغْتَنِمٌ … من السرور في زماني ما منحْ
فإنَّهُ مُسْتَرْجَعٌ هِبَاتِهِ … وباخلٌ من الصِّبَا بما سَمَحَ
وسقني من قهوة كاساتها … تُسرج في الأيدي مصابيح الصبح
لو شمّها صاحٍ عَسيرٌ سُكرُهُ … تحتَ لثامٍ في فدامٍ لَطَفَحْ
ولا تسوّفني إلى ترويقها … لا يَشْتوي اللّيثُ إذا اللّيثُ ذَبَحْ
حتى أقول زاحفاً من نشوتي … يَحْسنُ بالتزحيف بيتُ المنسرح
ومالىء ٍ زقاً وكاه مردياً … سَمَ الأسَى مِنْهُ بدُرْياقِ الفَرَحْ
وجاثمٍ بَينَ النَّدَامي تَرْتَوِي … أشباحُهُمْ منه بما يَرْوَى شَبَحْ
كأنَّما رَدّتْ عليه روحَهُ … سُلافه الراح فإن مُسّ رمحْ
غضّ الصِّبا كأنَّما حديثُهُ … يمازج النَّفسَ بأنفاسِ الملح
حلّ وكاءً شدّهُ عن مُدْمَجٍ … طَلّ دَمَ العنقودِ منه وسفح
حتى إذا ما صب منه رَيّقاً … سدّ على ذوبِ العقيقِ ما فتح
ترى نجيع الزقّ منه راشحاً … كأنَّهُ من وَدَجِ الليلِ رَشَح
مدامة ٌ للروح أختٌ برة ٌ … يَنْأى بها سرُورُنا عن التَرَحْ
قد عَلمَتْ مزاجَ فَشُرْبُها … يَجْرَحُهُ ثُمّتَ يَأسُو ما جَرَح
وتجعل القار الذي باشرها … في اللدن مسكاً للعرانين نفحْ
يحجب جسمُ الكاسِ من سعيرها … نفحاً عن الكاسِ ولولاه نفح
والشمسُ منها في نقاب غيمها … مخافة ً من نورها أن تفتضح
يومٌ كأنَّ القَطْرَ فيهِ لؤلؤٌ … يَنْظمِ للرّوْضِ عُقودا وَوُشَح
يَقدحُ نارا من زِنادِ بَرْقِهِ … ويطفىء الغيث سريعاً ما قدحْ
لمَّا جَرَتْ فيهِ الصِّبا عَليَلة ً … رقّ الهواءُ فيه للنفس وصحّ
كأنَّما الكافورُ نَثْرُ ثَلْجِنا … أو نَدَفَ البُرْسَ لنا قوسُ قزح
حتى علا الجوَّ دجى ً لم يغتبق … فيه الثرى من الحيا كما اصطبح
غرابُ ليل فوقنا محلّقٌ … يقبض عنّا ظلّهُ إذا جنح
وقد محا صبغَ الدّياجي قمرٌ … دينارهُ في كفّه الغربِ رجحْ
حتى إذا رَدَّ حُدا عَدوّهِمْ … من كان في وادي الرّقادِ قد سَرَح
نَبّهَ ذا هَذا وكلٌّ طَرْفُهُ … يلمحُ طرفَ الشكرِ من حيثُ لمح
يسألُ في تَقْوِيمٍ جيدٍ مائلٍ … لم يسامحْ في الحمْيّا لَسمَحَ
أضارِبٌ كفّيه يَشدو سَحَرا … أم نافضٌ سقطيه فيه قد صَدَح
نَبَّهَ للقهوَة ِ كلّ طافح … في مصرعِ السكر قتيلاً مطّرَح
من كل جذلان كأن رُوحَهُ … عن جسمه من شدة السكر نزح
إن الذي شحّ على إيقاظه … سامحَ في الشهبِ نداماه فشحْ
وجاءنا الساقي بصحنٍ مفعمٍ … لو شاء أنْ يَسْبحَ فيه لسَبَح
يا لائمي في الراح كم سيئة ٍ … تَجاوَزَ الغَفارُ عنها وصَفَح
ماذا تريد من سبوقٍ كلما … رُمتَ وقوفاً منه باللوم جَمَح
أغشٌ خلقِ اللهِ عند ذي هوى … من عرض الرشد عليه ونصح
حتى إذا فكّر عَنْ بصيرة ٍ … ذمّ مِنَ الأفعالِ ما كان مَدَح