رَعى مِن أخي الوجدِ طيفٌ ذماما … فحلّلَ من وصلِ سلمى حراما
تَحَمَّلَ منها بريّا العبير … ومنْ أرضها بأريج الخزامى
تَعَرّضُهُ سُورُ قَصْرٍ فَطارَ … وَساوَرَهُ مَوْجُ بَحْرٍ فعاما
مَشَى بالتواصلِ بَيْنَ الجفُونِ … وَدَاوَى السليمَ، وأهدى السلاما
وَمَثّلَ للصّبّ في نومِهِ … ضجيعاً، إذا أرّقَ الصَبَّ ناما
ومن صُوَرِ الفكر محبوبة ً … يعودُ عليلاً بها مستهاما
لها عَنَمٌ في غُصُونِ البنان … يَعُلّ ندى أُقحوانٍ بشاما
ترى نضرة َ الحُسنِ في خدّها … تَمَيّعُ ماءً وتُذّكَى ضِراماً
ترنّحُ بالبدرِ غُصناً رطيباً … وترتجّ في السير دِعصاً ركاما
فأمسيتُ منها بماءِ اللمى … أروّي أواماً، وأشفي سقاما
حلا لي وأسكرني ريقها … فهل خامرَ الأري منهُ المداما
تلاقتْ صواعدُ أنفاسها … فمازجَ منها السلوُّ الغراما
ولا عَجَبٌّ أنَّ ضَمَّاتنا … جَبَرْنَ القلوبَ وَهِضْنَ العظاما
بأرضٍ دحاها الكرى بيننا … ننالُ الأمانيّ فيها احتكاما
فلا بَسَطَ الصبحُ فيها الضّياءَ … ولا قَبَضَ الليلُ عنها الظلاما
فلو عاينَ الأمرَ حلَّ الجوادَ … وشدّ الحزامَ وسلّ الحساما
وأقبلَ بالريحِ نحوَ السحابِ … يظنّ سنا البرق منها ابتساما
ولما أتانا من الإنتباهِ … دخلنا له بالوصال المناما
جعلنا تزاوُرَنا في الكرَى … فما نَتّقِي من مَلومٍ مَلاما
ومرّتْ لطائفُ أرواحنا … بلغوِ الهوى حيثُ مرَتْ كراما
وطامٍ كجيشِ الوغى لا تخوضُ … به غمرة ُ الموتِ إلاَّ اقتحاما
تُباري عليه الدَّبورُ الصَّبا، … مُنَاقَضَة ً، والشمالُ النعامى
إذا ما ارتمى فيه قَرْمُ الرّدى … ركبنا له وهو يرغُو سناما
وردنا فُراتاً يُنيلُ الحياة … ومن كفّ يحيى انتجعنا الغماما
لدى ملكٍ جادَ بالمكرمات … تلاقيه في كلّ فَضْلٍ إماما
أشمُّ قديمُ تراثِ العُلى … يُراجِح بالحلم منه شَماما
إذا قرّ في دستهِ جالساً … رأيتَ الملوكَ لديه قياما
بنادٍ ترى فيه سمتَ الوقارِ … يزينُ عظيماً أبيّاً هُماما
يقلل في الجفن عن اللحاظَ … ويبعث بالوزن فيه الكلاما
تعلّمَ عِفّتهُ سيفهُ … فليس يُريقُ نجيعاً حراما
وما زالَ دينُ الهدى في الخطوبِ … يشدّ عليه يديه اعتصاما
ولا عَجَبٌ أنَّ صَرْفَ الزّمان … تُصرفُ يُسراهُ منه زماما
أما مَهّدَ الملكَ يحيى ، أما … أراكَ لكلّ اعوجاج قواما
أما نشأتْ منه سُحبُ النّدى … سواكبَ تهمي، وكانت جهاما؟
أما ذِكْرُهُ ذِكْرُ من يُتّقى … يداً، ويكون كلامٌ كِلاما؟
يبيد العدا بِلُهامٍ يريك … رداءً على منكبيه القتاما
بعزمٍ يُجرّدُ منه السيوفَ … ورأيٍ يفوّقُ منه السهاما
يعدّ من الصِّيد آبائهِ … كُفاة ً حُفاة ً وغُرّاً كراما
مجالسُهُمْ في الحروبِ السروجُ … إذا قعدَ الموتُ فيها وقاما
تُحمّرُ حِميَرُ ارضَ الوغى … وَتَفْلُقُ بالبِيضِ بَيْضاً وهاما
تَكَهّلَ مُكُهُمُ والزمان … يُصَرَّفُ بين يديه غلاما
وجيشٍ يجيش بأبطاله … كما ماجَ موجُ العباب التطاما
بنقعٍ يُريكَ نجومَ السماء … إذا الجوّ منه على الشمسِ غاما
إذا همّ بالفتكِ فيه الشجاعُ … وحامَ على نفسه الموتُ خاما
غدا ابن تميم به قسوراً … وقد لبِسَ البدْرُ منه التماما
فيا مَنْ تسامى بهمّاتِهِ … فنالَ بها للثريَّا مَصَاما
ملأتَ الزمانَ على وُسعِهِ … أناة ً وبطشاً، فراضاً الأناما
وحلماً مفيدا، وروعاً مبيدا، … وعيشاً هنيئاً، وموتاً زؤاما
وقُضباً بضربِ الطّلى مقطرات … وَقُبّاً على الهامِ تعدو هياما
جعلتَ لكلّ مقالٍ فعالاً … ولم تَحْتَقِبْ في صنيعٍ أثاما
ليهنك عودة ُ عيدٍ مشى … إليك على جَمْرَة ِ الشوقِ عاما
وأوْدَعَ في كلّ لحظٍ رنا … إليك، وفي كلّ لفظٍ سلاما
وحجّ بربعك بيتَ العلى … وطافَ به لا يملّ الزحاما
ومن لَثْمِ يمناك، لولا النّدى … رأى حجرَ الركن يُغشى استلاما
حميتَ حمى المُلكِ بالمرهفاتِ … وَدُمْتَ له في المعالي دواما