واعمُرْ بقصرِ المُلْكِ ناديكَ الذي … أضحى بمجدك بيته معمورا
قصرٌ لو أنَّك قد كحلتَ بنوره … أعمى لعادَ إلى المقام بصيرا
واشتقّ من معنى الحياة نسميه … فيكادُ يُحْدِثُ للعظام نُشورا
نُسيَ الصبيحُ مع المليح بذكره … وسما ففاقَ خورنقاً وسديرا
ولو أنَّ بالألوان قوبلَ حسنُهُ … ما كان شيءٌ عنده مذكورا
أعيت مصانعه على الفُرْسِ الألى … رفعوا البناء وأحكموا التدبيرا
ومضَتْ على الرّوم الدهورُ وما بنوْا … لملوكهم شَبَهاً له ونظيرا
أذكرتنا الفردوس حينَ أريتنا … غُرَفاً رفعتَ بناءَها وقصورا
فالمحسنون تزيّدوا أعمالهم … وَرَجَوْا بذلك جَنَّة ً وحريرا
والمذنبون هُدوا الصراطَ وكفّرتْ … حسناتهمْ لذنوبهم تكفيرا
فلكٌ من الأفلاكِ إلاّ أنّه … حَقَرَ البدورَ فأطلع المنصورا
أبصرتُهُ فرأيتُ أبدعَ منظرٍ … ثم انثنيتُ بناظري محسورا
وظننتُ أني حالمٌ في جنّة ٍ … لمّا رأيتُ الملكَ فيه كبيرا
وإذا الولائد فتّحتْ أبوابه … جَعَلَتْ تَرَحّبُ بالعُفاة ِ صريرا
عَضّتْ على حلقاتهنّ ضراغمٌ … فغرَتْ بها أفواهها تكسيرا
فكأنَّها لَبَدَتْ لتهصرَ عندها … من لم يكنْ بدخوله مأمورا
تجري الخواطر مطلقات أعنة ٍ … فيه فتكبو عن مداه قصورا
بمرخَّم الساحاتِ تحسبُ أنّهُ … فُرِشَ المهَا وتَوَشّحَ الكافورا
ومحصَّبٍ بالدرّ تحسبُ تربَهُ … مسكاً تَضَوّعَ نشره وعبيرا
يستخلفُ الإصباح منه إذا انقضى … صبحاً على غسقِ الظلام منيرا
وضراغمٌ سكنتْ عرينَ رئاسة ٍ … تركتْ خريرَ الماء فيه زئيرا
فكأنَّما غَشّى النّضارُ جُسومَهَا … وأذابَ في أفواهِها البلّورا
أسدٌ كأنّ سكونها متحركٌ … في النفس لو وجدتْ هناك مثيرا
وتذكّرتْ فتكاتها فكأنما … أقعتْ على أدبارها لتثورا
وتخالُها، والشمسُ تجلو لونَها … نارا وألسُنَها اللواحسَ نورا
فكأنما سُلّتْ سيوفُ جداولٍ … ذابتْ بلا نارٍ فعُدنَ غديرا
وكأنما نسجَ النسيم لمائه … درعاً فقدّرَ سردها تقديرا
وبديعة ِ الثمرات تعبرُ نحوها … عيناي بحرَ عجائبٍ مسجورا
شجرية ٍ ذهبية ٍ نزعتْ إلى … سحر يؤثّر في النهى تأثيرا
قد صَوْلجتْ أغصانها فكأنما … قنصَتْ لهنّ من الفضاء طيورا
وكأنَّما تأبى لواقع طيرها … أن تستقلّ بنهضها وتطيرا
من كلّ واقعة ٍ تَرَ منقارها … ماءً كسلسال اللجين نميرا
خُرسٌ تُعدّ من الفصاح فإن شدّتْ … جعلتْ تغرّدُ بالمياه صفيرا
وكأنَّما في كلّ غصنٍ فضة ٌ … لانتْ فأرسلَ خيطها مجرورا
وتريكَ في الصهريج موقعَ قطرها … فوقَ الزبرجدِ لؤلؤاً منثورا
ضحكتْ محاسنهُ إليك كأنما … جُعلتْ لها زهرُ النجوم ثغورا
ومَصفَّحِ الأبوابِ تبرا نَظّروا … بالنقش بين شكوله تنظيرا
تبدو مساميرُ النضارِ كما عَلَت … فلك النهود من الحسان صدورا
خلعتْ عليه غلائلاً ورسيَّة ً … شمسٌ تردّ الطرفَ عنه حسيرا
وإذا نظرتَ إلى غرائب سقفه … أبصرت روضا في السماء نضيرا
وعجبتَ من خُطّافِ عسجده التي … حامت لتبني في ذراه وكورا
وضعتْ به صناعُهُ أقلامَها … فأرتكَ كلّ طريدة ٍ تصويرا
وكأنَّما للشمس فيه ليقة ٌ … مشقوا بها التزْويقَ والتشجيرا
وكَأنَّما للازَوَرْد مُخَرَّمٌ … بالخطّ في ورقِ السماءِ سطورا
وكأنما وَشّوا عليه ملاءة ً … تركوا وشاحِها مقصورا
يا مالكَ الأرضِ الذي أضحى له … مَلِكُ السماءِ على العداة نصيرا
كم من قصورٍ للملوك تقدّمتْ … واستوجَبَتْ لقصورك التأخيرا
فعمرتها ومَلَكتَ كلّ رئاسة ٍ … منها ودمّرْتَ العدا تدميرا