متى لاح رسمُ الدار من طلل قَفْر … فلي زفرة ٌ تذكو ولي عَبْرة ٌ تَجري
ذكرت الهوى يوماً بمنعرج اللوى … ولا بد للمشتاق فيه إلى الذكر
سقى الله عهداً في النعيم وحاجر … وجاد على أرجائها وابلُ القطر
وحيّى بصوب المزن في الحيّ منزلاً … لي العذر فيه من رسيس الهوى العذري
وأيامنا الّلاتي قَضَت باجتماعها … تصبَّبَ من عينيَّ ما ليس بالنزر
وإنّي لمطويّ الضلوع من الجوى … على لاعج برحٍ احرَّ من الجمر
كأنَّ التهاب البرق يُبرِزُ لوعتي … ويُبْرِزُ للأبصار ما كان في صدري
ولم أدرِ ما هاج الحمام بنوحه … فهيَّجَ أشجان الفؤاد ولا يدري
كأنّي به يشكو الفراق على النوى … ولا غاب عن أنفٍ ولا طار عن وكر
أحبَّتَنا هل تذكرون ليالياً … لنا في الحمى كانت تعدُّ من العمر
تطوف علينا الكأسُ من كفِّ أغيد … كما ذكر قرن الشمس في راحة البدر
تحدِّثنا عن نار كسرى لعهده … قديمة ُ عهدٍ بالمعاصير بالعصر
فحيّى بها أحوى من الغيد أبلجٌ … مُذاباً من الياقوت تبسم عن درّ
وقلت لساقيها وريدك بالحشا … فقد زدتني بالراح سكراً على سكر
بربِّك هلْ أبصرت منذ شربتها … ألذَّ لطيب العيش من قدح الخمر
وندمان صدقٍ تشهد الراح أنَّهم … إذا سكروا أحلى من السكر المصري
هنالك أعطينا الخلاعة َ حقَّها … وقمنا إلى اللّذات نعثر بالسكر
إلى أنْ بدا للصبح خفقٌ بنوده … وطار غراب الليل عن بيضة الفجر
وغارت نجوم الليل من حسن معشر … خلائقهم أبهى من الأنجم الزهر
بَلَوْتُ الليالي عُسْرَة ً بعد يسرة … وكم ذقت من حلو المذاق ومن مر
فما أبلت الأيام جدَّة َ عزمتي … ولا أخَذَتْ تلك الحوادث من صبري
إذا لم تكن لي في النوائب صاحباً … فما أنتَ من خيري ولا أنتَ من شري
وليس تفي مثل الصوارم والقنا … إذا عبثت أيدي المودّات بالغدر
إذا أنا أنفيتُ الهوان بمنزلِ … تركت احتمال الضيم فيه إل غيري
وما العزُّ في الدنيا سوى ظهر سابح … يقرّب ما ينأى من المهمة القفر
سواءٌ لديه الوعرُ والسهل إنْ جرى … وَلَفَّ الرُّبا بالسَّهلِ والسَّهلُ بالوعر
تعوَّد جوبَ البيد فاعتاد قطعها … فأنْجَدَ في نجد وأغوَرَ في غور
عتيقٌ من الخيل الجياد كأنَّه … لشدته صخرٌ وما قدَّ من صخر
وناصيته ميمونة منه أعْلَنَتْ … بأنَّ لها فيه مقدمة النصر
وإنَّ جياد عندي هو الغنى … وليس الغنى بالمال والبيض والصفر
وأشْهَبَ يكسوه الصباح رداءَه … كما أشرقَ الإسلام في ملَّة الكفر
أبى أن يشقَّ اللاحقون غباره … فكالبرق إذ يهفو وكالريح إذ تسري
إذا ما امتطاه رفعتٌ وجرى به … رأت أعيني بحراً ينوف على بحر
أعدَّ له عند الشدائد عدَّة ً … وأرصده فيها إلى الكر والفر
فتى المجد من أهل الصدارة في العلى … وليس محل القلب إلاّ من الصدر
تناظرُ جدواه السحائب بالندى … وأنّى له جدوى أنامله العشر
إذا جئته مسترفداً منه رِفْدَه … فنل منه ما تهوى من النائل الغمر
وحسبُك من أيدٍ تدفَّق جَورُها … وناهيك من وجه تَهلَّل بالبشر
كما سقت المزن الرياض عشية ً … فأصبحَ زهر الروض مبتسم الثغر
بياض يدٍ تندى ومخضرّ مربع … تروق برغد العيش في الخطط الغبر
وما زال موصول الصلات ودأبه … من البرّ أنْ يسديه برّاً إلى بر
مكارمه لا تترك المال وافراً … وهل تركت تلك المكارم من وفر
وما ادّخرت للدهر مالاً يد امرئٍ … يُعدُّ الثناءَ المحض من أنفس
كما لم يَزَلْ يُرجى لكل ملمة … ويعرف فيه الأمن في مواطن الذعر
ولا خير في عيش الفتى وحياته … إذا لم يكن للنفع يرجى وللضرّ
له المنطق العذب الذي راق لفظه … رمى كل منطق من الناس بالحصر
فلا ينطق العوراءَ سُخطاً ولا رضى ً … قريبٌ من الحسنى بعيدٌ من الهُجْر
سواء إذا أثرى وأملَقَ جودُه … جواد على الحالين في العسر واليسر
صبورٌ على الأيام كيف تقلَّبت … جليدٌ شديدُ البأس فيها على الدهر
وقد أخْلَصَتْه الحادثات بسبكها … فكان بذاك السبك منخالص التبر
إذا ما حَمِدْنا في الرجال ابن أحمد … فعن خالص في الود بالسر والجهر
يعطّر أرجاءَ القوافي ثناؤه … وربَّ ثناءٍ كان أذكى من العطر
نشرنا له الصُّحفَ التي كان طيُّها … على طيب ذات فيه طيبة النشر
ولي في أبيه قبلَه وهو أهْلُها … محاسنُ أوصاف تضيق عن الحصر
فيا أيّها المولى الذي عمَّ فضله … لك الفضل فاسمع إن تكن سامعاً شعري
خدمتُك في حُرِّ الكلام مدائحاً … فقال لسان الحال يا لك من حر
وقد راق شعري في ثنائك كلُّه … ألا إنَّ بعض الشعر ضرب من السحر
فخذها منالداعي قصيدة أخرس … عليك مدى الأيام تنطق بالشكر
تريني لدى علياك ما قد يسُّرني … وترفع قدري فيك يا رفعت القر