هذه الدارُ ما عسى أنْ تكونا … فاقضِ فيها لها عَليك دُيونا
كان عهدي بها ومن كان فيها … أشرقت أوجهاً ولانت غصونا
يا دياراً عهدتها قبل هذا … جنَّة ً أزلفت وحوراً وعينا
كنتِ للشادن الأغن كناساً … مثلما كنتِ للهزير عرينا
قَد وقفنا على بقايا رسومٍ … دراساتٍ كأسطرِ قد محينا
فبذلنا لها ذخائر دمعٍ … كانَ لولا الوقوف فيها مصونا
ذكَّرتْنا الهوى وعهدَ التصابي … فذكرنا من عهدها ما نسينا
هلْ عَجِبْتُم والحبُّ أمرٌ عجيبٌ … كيفَ يَستعذبُ العذابَ المهينا
أو سألتم بعد النوى عن فؤادي … فسَلوا الظاعنين والنازحينا
وبنفسي أحبَّة يومَ بانوا … حرَّموا النومَ أنْ يمسَّ الجفونا
عَرِّضوا حين أعرضوا ثم قالوا … قَدْ فتنّاك في الغرام فتونا
إنْ أطلنا الحنينَ شوقاً إليكم … فعلى الصّبِّ أنْ يطيل الحنينا
ربَّ ورقاءَ غرَّدتْ فشجتني … وكذاك الحزين يشجي الحزينا
ردَّدَت نَوحَها فردَّدت مني … جنَّة ً أزْلِفَتْ وحوراً وعِينا
ردّدي مااستطعت أيتَّها الورقُ … شجوناً منالأسى ولحونا
وأعيدي شكوى الغرام عَلَينا … أشرَقَتْ أوجهاً ولانتْ غصونا
لو شكوناك ما بنا لشرحنا … أنْ يطيعَ المتيَّمُ اللاّئمينا
ما أطعنا اللّوامَ والحبُّ يأبى … أنْ يطيعَ المتيَّمُ اللاّئمينا
لهفَ نفسي على مراشف ألمى … أوْدَعَ الثغرَ منه دراً ثمينا
أنَ عطفاً مهفهفُ القدّ قاسٍ … كلّما زاد قسوة ً زدْتُ لينا
يا شفائي من علّة ٍ برَّحت بي … إنَّ في القلبِ منك داءً دفينا
يا ترى تجمع المقادير ما كان … وأنى لنا بها أن تكونا
في ليالٍ أمضيتُها بعناق … لا يظنُّ المريب فينا الظنونا
فرَّقتنا أيدي النوى فافترقنا … ورمينا ببينها وابتلينا
بينَ شرقٍ ومغربٍ نَنْتَحيه … فشمالاً طوراً وطوراً يمينا
أسعدَ الله فِرقَة َ العزِّ لمّا … فبذلنا لها ذخائر دمعٍ
قدَّمتْه الولاة واتَّخَذَتْه … في الملمّات صاحباً ومعينا
واستمدَّت من رأيه فلقَ الصُّبحِ … بَياناً منه وعلماً رصينا
جذبَ الناسَ بالجميل إليه … وحباهم بفضله أجمعينا
فرأتْ ما يَسُرُّها من كريم … من سُراة الأشراف والأنجبينا
شِيمٌ عن إبائه في المعالي … أسلكته طريقها المسنونا
تَستَحيل الحزونُ فيه سهُولا … بعدَ ما كانت السهول حزونا
ويهون الأمر العظيمُ لديه … وحَرِيٌّ بمثلِه أنْ يهونا
زان ما شان في حوادث شتى … ومحا ما يشين في ما يزينا
فإذا قسته بأبناء عصري … كان أعلى كعباً وأندى يمينا
قد وجدناك والرّجال ضروبٌ … والتجاريبُ تظهرُ المكنونا
عروة ٌ من عرا السّعادة وثقى … قد وثقنا بها وحبلاً متينا
هذه الناس منذ جثت إليها … زجرت منك طائراً ميمونا
كلّ أرض تحلُّها كان أهلو … ها بما ترتجيه مستبشرينا
وإذا روّعتْ ومثلك فيها … أصبحوا في ديارهم آمنينا
يا شريفَ الأخلاق وابن شريفٍ … أشرفَ الناس أثبتَ الناس دينا
أحمدُ الله أن رأتكَ عيوني … فرأتْ ما يَقُرُّ فيك العيونا
وشممنا من عرف ذاتك طيباً … فكأنّي إذ ذاك في دارينا
وَوَرَدْنا نداك عذباً فراتاً … إنّما أنتَ منهلُ الواردينا
لك في الصالحات ما سوف يبقى … ذكرها في الجميل حيناً فحينا
حزتَ فهماً وفطنة ً وذكاءً … وتَفَنَّنْتَ في الأمور فنونا
وتوّليتَ في الحقيقة أمراً … كان من لطفه المهيمن فينا
سيرة ترتضى جبلتَ عليها … ومزايا ترضي بها العالمينا
فاهنا بالصَّوم والمثوبة فيه … وجزيل الصيّام في الصائمينا
وبعيدٍ يعودُ في كلِّ عامِ … لكَ بالخيرِ كافلاً وضمينا