باكر تداماك بكأسِ العقارْ … فَقَد مَضى اللّيل وجاء النهار
وداوني فيها وسارع بها … فإنَّ في الخمر دوائر الخمار
أما ترى الورقاء قد غرَّدَتْ … في وَرَقِ الدوح وغنّى الهزار
وکبتسمت للطلّ أزهارُه … وأدمع الطلّ عليها نثار
وقد دَعَتْ للّهو أبناءها … أوقاتَ أيام السرور القصار
فهاتها صرفاً وممزوجة … بين احمرار برزت واصفرار
واملأ لنا أكبر أقداحها … فالله يعفو عن ذنوب كبار
خذها بإعلان ولا تستَتِرْ … فما يطيب العيش بالاستتار
وَعَدِّ عمّن لام من جهله … وعدَّها عاراً وليست بعار
ما عرفَ الَّلذة َ من عافها … وقابل العاذل بالاعتذار
وَخَلِّهِ واللوم في معزل … لا تصغ فيها لنهيق الحمار
إذ يدّعي النُّسكَ ولا يهتدي … به وينعى بخراب الديار
إنّ المرائين إذا استُكْشِفوا … وَجَدْتَهم شرَّ الأنام الشرار
لو لم يجدْ شاربها لذَّة ً … وفي المسرات عليها المدار
ماوعد الله بها المتقي … في جنّة الخلد ودار القرار
يا مولعاً بالمُرد إنّي امرؤ … ما لي عن وجه الحبيب اصطبار
إيّاك والإعراض عن غادة … في وجهها للحسن نور ونار
كم ليلة ٍ زار حبيبٌ به … يشكو إلى المشتاق بُعد المزار
جمعتُ فيها بين ما أشتهي … من غنجٍ أحوى وذات احورار
أقسمُ بالعود وأوتاره … ونغمة ِ الناي وضرب الإطار
ما لذَّة ُ سوى ساعة ٍ … في مجلسٍ يخلعُ فيه العذار
يقضي به الماجنُ أوطاره … وكان مبناه على الاختصار
إنَّ الخلاعاتِ لفي فتية … لم يلبسوا في الأنس ثوب الوقار
تغنيهم الراح إذا أملقوا … كأنّها في الكأس ذوب النضار
يا طالما قد زرت خمّارها … وقلت أنت اليوم ممَّن يزار
فقام يجلوها كغصن النقا … يحمل في راحته الجلّنار
حتى إذا استكفيتُ من شربها … لو شئتُ أدركت من الدهر ثار
غفوتُ عن ذنب زمانٍ مضى … ما أحسنَ العفوَ مع الاقتدار
هذا هو العيش ومن لي به … قبل کنقضاء العُمُرِ المستعار
لا خيرَ في العيش إذا لك يكن … في ظلّ عبد الله عالي المنارْ
ما جئته إلاّ وأبصرتني … أسحبُ من نعماه ذيل الفخارْ
قيَّدَني في برِّه ماجدٌ … كأنّما أطلقني من أسار
موفّق يسعى إليه الغِنى … من غير ما سعي وخوض الغمار
لا يقتني المالَ ولم يدّخرْ … شيئاً ولا مالَ إلى الادّخار
إنّي لأغنى الناس عن غيره … ولي إليه بالسرور کفتقار
المنجزُ الوعدَ بلا منّة ٍ … ولم أكنْ من وعده بانتظار
ما فارق الأُنسَ له طلعة … بل سار في خدمته حيث سار
كم طائل قصَّر عن شأوه … ولاحقٍ ما شقَّ منه الغبار
ومستميح نال ما يبتغي … منه وحاز العزّ والافتخار
يروق كالصّمصام إفرنده … أبيض مثل السيف ماضي الغرار
أمّا جميل الصنع منه فمن … شعاره أكرمْ به من شعار
يركبُ في الجدِّ جوادَ المنى … إذ يأمنُ الراكبُ فيه العثار
حديقة ُ الأفراح في ربعه … للمجتني منها شهيّ الثمار
فلم أبلْ ما دمت خلاًّ له … ما كان من أمري ولا كيف صار
وكلّ ما کستَطْيَبْته كائن … من طيِّب الذات كريم النجار
من كابرٍ ينمة إلى كابرٍ … ومن خيار قد نمّته الخيار
هم الزهيريّون زهر الرُّبا … والأنجمُ الزهر التي تستنار
فهم أجلُّ الناس قدراً وهم … أعزُّ من تعرف في الناس جار
فلا يمسّ السُّوء جاراً لهم … ما ذلَّ مَن لاذ بهم وکستجار
يُوفُونَ بالعَهد ويَرْعَوْنَه … في زمنٍ لم يرعَ فيه الذمار
ألا ترى كلّ کمرىء ٍ منهم … لنائل يرجى ونقعٍ مثار
يلتمس المعروف من برِّهم … ويستفاض الجود فيض البحار
من كلِّ معروفٍ بمعروفه … في كلّ قطرٍ من نداه قطار
إذا دعته للوغى همّة ٌ … كان هو المقدام والمستشار
تغدو رياضي فيه مخضرة ً … أشبهَ شيءٍ بکخضرار العذار
أصلح شاني بأبي صالح … وأغتدي فيه نقيّ الأزار
باهى بي الأزهار في روضها … فرحتُ أزهو مثل ورد البهار
لا زلت في نور صباح الهنا … يا كوكباً لاح وبدراً أنار