تُرِيكَ مُرورُ الليالي العِبَرْ … والوِرْدُ في كلّ حَالٍ صَدَرْ
سحبتُ على الدّهرِ ذيلَ الشّبابِ … ولا زلتُ أَنضِيِهِ حتّى حَسَرْ
ولم يبقَ لي منه إلاَّ كما … تَرَى في الرّياضِ بَقَايَا الزّهَرْ
سوادٌ أَظَلَّ عليهِ البَيَاضُ … كليلٍ أظلَّ عليهِ السّحَرْ
فَرَائيَ في الهَوَة رأيُ الذي … يُقَدّمُ في الزّادِ قبلَ السّفَرْ
بِبَذْلِ الدّنَانِ وعرفِ القِيَانِ … وَخَلْعِ العذارِ وَفَضّ العُذُرْ
ونادى ربَّي وَدَاعِي المشيبِ … ويقتادُنِي أَوليات الكَبِرْ
يُنشّطُني أُخرياتِ الشّبابِ … قَتَارٌ وهيّ بذاتِ الأَثَرْ
فنفسي تشوقُ إلى الغانِيَاتِ … وقلبي بهم يأبى أَنْ يَنْزَجِرْ
وبأبىى لهُ ذاكَ وَرْدُ الخدودِ … وصُبْحُ الوجوهِ وليلُ الشّعَرْ
وأُعطي قِيَادِيَ كَفَّ المجونِ … وأُخْفِي فُنوناً وأُبدِي أَشَرْ
وَأُكذِبُ نفسيَ في بَعْضِ ما … أَحَصّلُهُ من حِسَابِ النّمَرْ
أَقولُ سَقى اللهُ عَهْدَ الصِّبا … ليالي إذا نابَ الدّهر غر
وإذ عُذْرِيَ واضحٌ بالشّبابِ … وسُكريَ فيهِ أشّدَ السّكرْ
أَصِيدُ وَتَصْطَادُني تارة ْ … ظباءُ القُصُور بحُسْنِ الحَوَرْ
إذا ماتتوّجنَ أكوَارَهُنَّ … وخَطَطْنَ بالعاجِ شَكلَ الطّرَرْ
وعلّقْنَ سُودَ مسَابحهنَّ … دُوَيْنَ النُّهُودِ وفَوقَ السُّرَرْ
وأومضَ حولي بروقُ الثّغو … رِ عَنْ بَرَدٍ فيهِ مِسْكٌ وَدُرّْ
ولا كان أكلي مع الغانِيَاتِ … يلذُّ ولا شُرْبيَ بالغَمَرْ
يُرَوّعني شامِتاً في البياضِ … أخٌ قَدْ قَضَى منْ شَبَابٍ وَطَرْ
وقد كانَ يحدثُني بالسّوادِ … فلمّا رآنيَ قَد شِبْتُ سُرْ
ومِثلُكَ قد صِرتُ رسماً عَفَا … فَقِفْ لي ولاتُخْفِني يا عُمَرْ
وساعدْ أخاكَ على شُربِها … بميساءَ من حِمْصَ وَسْطَ الزّهَرْ
عُقاراً كَدِيِنكَ في لُطْفِها … وأَخلاقِكَ الواضِحَاتِ الغُرَرْ
غذا مُزِجَتْ لِيَ في كأسِهَا … أطارَ على جَانِبيها الشّرَرْ
كأَنَّكَ شَاكَلْتَهَا وبالصَّفا … وأَشْبَهْتَهَا بالنَّسِيمِ العَطِرْ
تَمَسَّكتْ النّارُ مِنْ جسمِهَا … فلَمْ يبقَ في الصّفو مِنْهَا كَدَرْ
ألستَ ترى المرجَ مْعُشَوْشِباً … لَبِسْنَ الرّياضَ مَرِيعاً خُضُرْ
كأَنَّ الّذي دَبَّجَتْ تستهز … وطرّزَتِ السوسنَ فيهِ نَشَرْ
وَقَدْ ضربتْ فيهِ خيمائها … وعدَّلَ تشرينُ برداً بِحَرْ
وراحَتء تُجَاوبُ أَطيَارَهُ … كما جاوبَ النّايُ وَقْعَ الوَتَرْ
وجاءَ الطّهاة ُ بِمَا تشتَهيـ … ومِمَّا استُزِيدَ وَمِمَّا حَضِرْ
وطابَ المزاجُ ولذَّ الشّرابُ … ومدَّ الأريدُ بماءٍ خَصِرْ
تَعَاليلُ إن أنتَ أغْفَلتَهَا … تذكَّرتَها حِينَ لا مُدَّكَرْ
فَخُذْ من صَفَا العيشِ قَبْلَ الكَدَرْ … ومنْ ظَاهِرِ الأَمرِ قَبْلَ الخَفَرْ